تحليل أمريكي: إسرائيل تواجه أمن أقل وخطر أكبر وعزلة متزايدة

ناقش تحليل نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية، واقع دولة الاحتلال الإسرائيلي في ظل هجماتها العسكرية على إيران هل أصبحت أكثر أمنًا حقًا؟، وخلص إلى أن تل أبيب تواجه أمن أقل وخطر أكبر وعزلة متزايدة.
وقال التحليل إنه على الرغم من الضربات الجوية الإسرائيلية المكثفة على أهداف في إيران، والحروب المتزامنة التي تخوضها ضد فصال المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحزب الله في لبنان، وجماعة الحوثيين في اليمن، لا يبدو أن دولة الاحتلال أكثر أمنًا اليوم مما كانت عليه قبل سنوات.
وأبرز التحليل أنه على العكس، فإن استراتيجيتها القائمة على الردع الاستباقي، والتي تقوم على استخدام القوة العسكرية في كل اتجاه، تُنتج حالة دائمة من انعدام الاستقرار في الإقليم، وتعمّق تهديدات طويلة الأمد لأمنها الداخلي والخارجي.
غياب التفكير الاستراتيجي
بحسب التحليل لطالما حققت دولة الاحتلال نجاحات تكتيكية بارزة في الحروب التي خاضتها، لكنها فشلت باستمرار في تحويل تلك النجاحات إلى مكاسب استراتيجية مستدامة.
وهذا الفشل لا يمكن فصله عن كون دولة الاحتلال، منذ السبعينيات، حليفًا تابعًا للولايات المتحدة التي تعاني بدورها من خلل مشابه في سياستها الأمنية؛ إذ تركز على الحلول العسكرية وتتجاهل أدوات التأثير غير القتالية، مثل الدبلوماسية، والتنمية، والتفاهمات الإقليمية.
وقد بالغ الطرفان – (إسرائيل) وواشنطن – في الاستثمار في التفوق العسكري والتكنولوجي، على حساب الرؤية السياسية والاستراتيجية طويلة المدى. تمامًا كما تقول الحكمة القديمة: “من يملك مطرقة، يرى كل شيء كمسامير”.
وبالتالي، تصبح القوة العسكرية هي الوسيلة شبه الوحيدة للتعامل مع الأزمات، حتى لو أدّت إلى نتائج عكسية.
دروس لم تُستوعب
ردّ الولايات المتحدة على هجمات 11 سبتمبر بإعلان “حرب عالمية على الإرهاب” كان خطوة متهورة ساهمت في غزو العراق، الدولة التي لم تكن لها علاقة مباشرة بالهجوم، ما أنتج نتائج كارثية تمثّلت في مزيد من الإرهاب، وتدخلات فاشلة، وفقدان المكانة الدولية.
واليوم، تُعيد دولة الاحتلال إنتاج ذات النمط، عبر توسعها العسكري في أكثر من جبهة، من دون استراتيجية سياسية واضحة لما بعد الضربة.
ورغم تحذير واشنطن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تكرار أخطاء الحرب الأميركية على “الإرهاب”، اتجهت الحكومة الإسرائيلية نحو التصعيد الشامل، مستهدفة إيران، ولبنان، وغزة، واليمن، بدلاً من تبني سياسة احتواء مدروسة تعالج جذور التهديدات.
الردع العدواني… إلى أين؟
يُبرر كثير من أنصار دولة الاحتلال هذه السياسة بالقول إنها محاطة بالأعداء، ما يتطلب موقفًا هجوميًا استباقيًا. لكن الواقع يُشير إلى أن هذا النهج لم يُنتج أمنًا مستدامًا، بل ساهم في جعل الحرب حالة دائمة.
دولة الاحتلال اليوم، وفق هذا المنطق، ليست في حالة دفاع عن النفس، بل في حالة حرب مفتوحة بلا أفق، تُعيد تشكيل الدولة من الداخل لتصبح أشبه بثكنة عسكرية دائمة.
ما يجعل هذا الوضع أكثر خطورة هو أن الاندفاع نحو التصعيد يخدم مصالح سياسية داخلية. ففي الولايات المتحدة، استطاع جورج بوش الابن استخدام حربه في العراق كرافعة انتخابية للفوز بولاية ثانية عام 2004.
وبالمثل، يستفيد نتنياهو من أجواء الحرب للحفاظ على تماسك ائتلافه المتشدد، وضمان بقائه في الحكم، وتجنب الملاحقة القضائية. في كلا المثالين، كان التصعيد الخارجي أداة للبقاء السياسي، لا للردع الفعّال أو الأمن الحقيقي.
مغامرات قد تعزز الخطر النووي
واحدة من أخطر مفارقات هذه الاستراتيجية الإسرائيلية، أن الغارات الجوية على إيران قد تُساهم فعليًا في تسريع مشروعها النووي، بدلاً من وقفه.
فمثل هذه الهجمات تمنح المتشددين في طهران الذرائع اللازمة لتبرير السعي لامتلاك السلاح النووي، بدعوى الدفاع عن النفس، في ظل تهديد دائم من خصم نووي فعلي.
وفي حال سقوط المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي – وهو سيناريو غير مرجّح في المدى القريب – فإن البرنامج النووي على الأرجح لن يتوقف، نظرًا لما يحظى به من دعم واسع داخل المؤسسة السياسية والأمنية الإيرانية، خاصة بعد تعرض البلاد لهجوم خارجي. فبدلًا من الحد من الخطر النووي، قد تنجح (إسرائيل) في تعميقه وتسريعه.
فرصة ضائعة بعد 7 أكتوبر
رأى التحليل أن هجوم طوفان الأقصى الذي شنّته حركة “حماس” في 7 أكتوبر 2023، كان يمكن أن يشكّل لحظة مراجعة استراتيجية حقيقية.
إذ كان بإمكان دولة الاحتلال أن تنفّذ ردًا عسكريًا محدودًا ضد الجهات المسؤولة، ثم تستثمر الأزمة في فتح مسار تفاوضي يُفضي إلى حل سياسي ينهي الصراع، من خلال الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة قابلة للحياة.
لكنّ ما حدث كان العكس تمامًا. اختار نتنياهو التوسع العسكري بدل الحلول السياسية، ما يعكس قصر نظر مزمنًا في التفكير الإسرائيلي.
وبدلاً من فهم أسباب الانفجار الفلسطيني، اختارت القيادة الإسرائيلية الرد بالعقاب الجماعي، والتدمير واسع النطاق، الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الكراهية، والتطرف، والدوامات الدموية.
وفي الخلاصة فإن (إسرائيل) في سعيها المحموم لتحقيق “الأمن”، تبني بيئة إقليمية أكثر عدائية وخطورة. سياستها القائمة على الحروب المتزامنة والردع بالضربات، تُنتج تهديدات جديدة بدل أن تحتوي القديمة. أما الرهان على القوة العسكرية وحدها، دون مشروع سياسي متكامل، فهو رهان خاسر، وقد يُفضي في النهاية إلى نتيجة معاكسة تمامًا: أمن أقل، وخطر أكبر، وعزلة متزايدة.