تحليلات واراء

فينزل في مخيم نور شمس.. تنسيق مع السلطة لإتمام خطة القضاء على المقاومة

تكشف زيارة المنسق الأميركي للشؤون الأمنية في الضفة الغربية، مايكل آر فينزل، إلى مخيم نور شمس شمالي الضفة، عن أحد أكثر أوجه التنسيق الأمني حساسية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي تحت الرعاية الأميركية.

الزيارة، التي جاءت بعد قرابة 150 يومًا من العدوان الإسرائيلي المتواصل على المخيم، مثّلت تتويجًا عمليًا لخطة طويلة المدى تهدف إلى تفكيك خلايا المقاومة المسلحة في المخيمات الفلسطينية التي صعدت من عملياتها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وقد رافق فينزل في جولته محافظ طولكرم عبد الله كميل، إلى جانب مسؤولين كبار من أجهزة أمن السلطة، في مشهد بدا كأنه رسالة واضحة بأن ما يجري في مخيمات شمال الضفة ليس سوى تنفيذ مشترك لخطة أمنية ذات أبعاد سياسية أوسع، تسعى واشنطن لرعايتها تمهيدًا لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، ومقدمة لإنهاء الحالة الثورية في الضفة الغربية.

عين أميركية على “ساحات المقاومة”

مايكل فينزل، الذي يُشرف منذ سنوات على برنامج إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتعزيز التنسيق الأمني، لا يزور مخيمًا مثل نور شمس عبثًا أو لدواعٍ إنسانية.

فالجنرال الأمريكي السابق، والمبعوث الأمني الحالي، يتمركز دوره حول ضمان بيئة أمنية مستقرة لـ “ما بعد حماس” في الضفة، وهو ما يتطلب – من منظور أمريكي-إسرائيلي – سحق البؤر المسلحة، التي تمثلها اليوم مجموعات “كتيبة نور شمس” و”كتيبة جنين” وغيرها.

في يناير/كانون الثاني الماضي، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة النطاق في شمال الضفة، انطلقت من جنين وامتدت إلى مخيمي طولكرم ونور شمس، حيث تشكلت خلايا مقاومة محلية خاضت اشتباكات عنيفة مع القوات الخاصة الإسرائيلية.

ومنذ ذلك الحين، باتت هذه المناطق مستهدفة بعمليات هدم ممنهجة واغتيالات متكررة وتضييق شامل.

الخطة: هدم وتهجير وتصفية

ما يجري في نور شمس وطولكرم ليس مجرد عمليات عسكرية، بل هو تنفيذ لسياسة هدم شاملة، تهدف إلى تغيير المعالم الجغرافية والديمغرافية للمخيمات.

وقد أعلنت سلطات الاحتلال عن خطة لهدم 106 مبانٍ، تضم أكثر من 250 وحدة سكنية وعشرات المحال التجارية.

وفي التفاصيل، تم استهداف 58 مبنى في مخيم طولكرم، و48 مبنى في نور شمس، بحجة “فتح طرق أمنية”، وهو المصطلح ذاته الذي استخدمته إسرائيل في مخيم جنين، حيث تم تحويل أزقة ضيقة إلى طرق تصلح لاجتياح المدرعات.

هذه الخطة أدت، بحسب معطيات رسمية، إلى تهجير أكثر من 5 آلاف عائلة، وتدمير نحو 400 منزل بشكل كلي، وتضرر ما يزيد عن 2500 منزل بشكل جزئي. وبكلمات أخرى، نحن أمام محاولة تفكيك اجتماعي ممنهج للمخيمات التي كانت تاريخياً أحد أبرز حواضن الفعل المقاوم في الضفة الغربية.

السلطة شريكٌ حاضر

ما يثير الانتباه هو دور السلطة الفلسطينية في هذا السياق. إذ أن مسؤولين من أجهزتها الأمنية شاركوا بشكل علني في الجولة مع المنسق الأميركي، بما يوحي أن هناك تنسيقاً عملياً ومستمراً، يتجاوز مجرد “التنسيق الأمني التقليدي”، ويقترب من شراكة كاملة في تحقيق الأهداف الإسرائيلية-الأميركية في الضفة.

محافظ طولكرم عبد الله كميل، المحسوب على تيار أمني داخل فتح، ظهر مراراً في الشهور الماضية بصفته ممثلاً لخطاب يتماهى مع رواية الاحتلال حول “الخطر الذي تمثله المجموعات المسلحة”.

وفي عدة مناسبات، دعا كميل إلى “ضبط الفلتان” و”ملاحقة الخارجين عن القانون”، وهي تعبيرات باتت مرادفاً في الإعلام الرسمي الفلسطيني لـ “المقاومة المسلحة”.

هذا الحضور النشط للسلطة يأتي بينما تتصاعد الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة، التي أوقعت، وفق أرقام حقوقية، ما لا يقل عن 993 شهيداً وقرابة 7000 مصاب منذ أكتوبر 2023، بما في ذلك اغتيالات ميدانية، وقصف جوي، واجتياحات ليلية.

خطط تصفية المقاومة في الضفة تمهيداً للتسوية

زيارة فينزل ليست منعزلة عن مشهد أكبر يجري ترتيبه منذ أسابيع، عنوانه: إنهاء النموذج المسلح في الضفة الغربية، وتهيئة الأرضية لعودة “مسار سياسي” يرعاه التحالف الأميركي-العربي، تتصدره السعودية ومصر والإمارات.

ولا يمكن فصل ما يحدث في نور شمس وطولكرم عن الخطط التي تناقش حالياً في أروقة الإدارة الأميركية بشأن “اليوم التالي” في غزة، حيث يُطرح خيار إعادة تمكين السلطة الفلسطينية في القطاع.

هذا السيناريو يتطلب تفكيك أي قوى فلسطينية مسلحة خارج السلطة، سواء في غزة أو الضفة، واستبدالها بجهاز أمني مركزي متعاون.

لذلك، فإن استهداف مخيمات شمال الضفة اليوم، بدعم أمريكي مباشر، يتم بعين على سيناريو غزة غدًا. فالمنطق الأمني يقول: لا عودة للسلطة إلى غزة إن لم تُثبت قدرتها على ضبط الضفة.

مقاومة محاصرة وتواطؤ ثلاثي

في ضوء كل ما سبق، تبدو زيارة فينزل تجسيدًا لتواطؤ ثلاثي: أميركي يرعى، إسرائيلي يُنفذ، وسلطة تُبرر وتُسهّل.

فالهدف ليس فقط القضاء على البنية العسكرية لفصائل المقاومة في المخيمات، بل ضرب أي إمكانية لإعادة إنتاج بيئة مقاومة شعبية.

في نور شمس، كما في جنين ونابلس، يُعاد تشكيل الضفة على صورة تتوافق مع الرؤية الأمنية الإسرائيلية: مدن بلا مقاومة، وقيادات بلا شرعية، وتنسيق أمني بلا قيد. وتلك وصفة لا للسلام، بل للانفجار القادم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى