تتواصل تداعيات تعيين حسين الشيخ نائبًا لرئيس السلطة الفلسطينية ونائبًا لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، في خطوة وصفها محللون بأنها مؤشر خطير على بداية مرحلة سياسية جديدة تتقاطع فيها مصالح الاحتلال الإسرائيلي مع إرادات دولية وعربية.
التعيين الذي جاء بمباركة أمريكية وإسرائيلية وعربية، يؤسس لواقع سياسي قوامه تفريغ السلطة الفلسطينية من مضمونها الوطني وتحويلها إلى إدارة محلية مرافقة لمشروع ضم الضفة الغربية.
خضوع كامل للتحولات الأمريكية الإسرائيلية
ويرى الكاتب والمحلل السياسي محمد جرادات أن السلطة الفلسطينية باتت اليوم أمام حالة خضوع تام للتحولات الأميركية والإسرائيلية، مشيرًا إلى أن قدرتها على التصدي السياسي والإعلامي أصبحت شبه معدومة.
السلطة، بحسب جرادات، تتجه نحو نموذج إدارة ذاتية فاقدة لأي غطاء سياسي حقيقي، بما يتناغم مع المشروع الإسرائيلي الذي يستهدف تصفية الحقوق الفلسطينية وترسيخ وقائع الاحتلال على الأرض.
مشروع الضم
ويوضح جرادات أن طموحات اليمين الإسرائيلي بضم الضفة الغربية ليست جديدة، لكنها تجد اليوم فرصة مثالية مع حالة الانسجام العميق مع الإدارة الأميركية.
ويسعى الاحتلال إلى تحقيق هدفين متوازيين الأول سياسي يتمثل في ضم التجمعات الاستيطانية الكبرى وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، والثاني أمني عبر سحق المقاومة التي بدأت تتشكل في المخيمات، مع العودة إلى الحكم العسكري المباشر، مع الإبقاء على السلطة الفلسطينية كجهاز إداري خدماتي فقط.
تهميش عباس وترتيبات نقل السلطة
بحسب جرادات، فإن سياسة السلطة الحالية تقوم على تهميش تدريجي لمكانة رئيسها محمود عباس، تحضيرًا لمرحلة نقل الصلاحيات الواسعة إلى نائب الرئيس، وهو ما ينسجم مع الرؤية الإسرائيلية لمستقبل الحكم في الضفة.
ويشير إلى أن التجارب الميدانية في جنين وطولكرم تقدم مؤشرا واضحا على طبيعة النموذج الذي يسعى الاحتلال لتعميمه في الضفة الغربية.
قبول عربي ضمني بالتحولات الخطيرة
وينوه جرادات إلى أن ما يجري يبدو للأسف جزءًا من قبول عربي وربما فلسطيني رسمي ضمني بهذه السياسة، تحت ذريعة مقاومة مشاريع التهجير الجماعي للفلسطينيين، ما يعني فعليًا القبول بسياسات الاحتلال والوقائع التي يفرضها.
وحول خيارات السلطة، يؤكد جرادات أن القدرة على تعطيل هذه المشاريع كانت تتطلب تضحيات كبرى، لكن هذه الصفحة أغلقت منذ فترة، بعد انخراط السلطة في محاصرة المخيمات والاعتقالات السياسية، وإنهاء أي حالة كفاحية فعالة.
حسين الشيخ وضم الضفة
ورغم قتامة الصورة، يختم جرادات بالقول إن المخرجات النهائية للمسارات الإقليمية والدولية، ومستقبل الحرب الجارية على غزة، قد تعيد خلط موازين القوة، وهو ما قد يفرض معطيات جديدة قد تؤجل أو تعرقل مشاريع الاحتلال.
ومن جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي ماهر أبو طير أن تعيين حسي الشيخ لم يكن قرارًا داخليًا فقط، بل جاء استجابة مباشرة لضغوط دولية وعربية طالبت بإجراء إصلاحات جوهرية داخل السلطة الفلسطينية.
ويشير إلى أن الشيخ، المعروف بتاريخه الطويل في التنسيق الأمني مع الاحتلال، يشكل شخصية مثالية للمرحلة القادمة وفقًا للمعايير الأميركية والإسرائيلية، خصوصًا مع موقفه الرافض للعمل المسلح وتمسكه بخيار التسوية السياسية.
تعيين أمني لا يغير الواقع الصعب
ويحذر أبو طير من أن اختيار شخصية أمنية بحتة لهذا المنصب الحساس لن يؤدي إلى تحسين الواقع الصعب الذي يعيشه الفلسطينيون، خاصة مع تصاعد مشاريع الاستيطان والتهجير في الضفة الغربية.
ويضيف أن التعيين يعزز الانقسام الفلسطيني الداخلي، ويضعف فرص تحقيق وحدة سياسية بين الضفة وغزة، خاصة بعد أن قاطعت فصائل رئيسية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحماس اجتماع المجلس المركزي الذي تم خلاله تثبيت التعيين.
السلطة أمام اختبار مصيري
ووسط هذا المشهد، تبدو السلطة الفلسطينية أمام اختبار مصيري إما أن تبقى أسيرة مشروع الاحتلال للضم وإدارة السكان، أو أن تعيد النظر في مسارها السياسي برمته.
غير أن المؤشرات الحالية ترجح المسار الأول، مما ينذر بانفجار قادم قد لا يمكن السيطرة عليه، مع تصاعد الاحتقان في الشارع الفلسطيني وفقدان الثقة الشعبية بمؤسسات الحكم القائمة.





