تحليلات واراء

معاذ أبو عمرة.. رمز الفلتان والعمالة للاحتلال ترقيه السلطة لمنصب رفيع

قوبل قرار تعيين العقيد معاذ أبو عمرة مديرًا لجهاز المخابرات العامة في المحافظات الجنوبية (قطاع غزة) بعاصفة من الجدل في الأوساط الفلسطينية بالنظر إلى أن الرجل ليس مجرد ضابط عادي في جهاز أمني، بل شخصية ارتبط اسمها بتاريخ طويل من الفلتان والفوضى، وعُرف بتورطه في ملفات مثيرة للشبهات تتعلق بالتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.

وبالنسبة لقطاع واسع من الفلسطينيين، فإن تعيين أبو عمرة بهذا المنصب الرفيع لم يكن مفاجئًا بقدر ما كان دليلاً إضافيًا على طبيعة المنظومة الأمنية للسلطة، التي تضع أولويتها المطلقة في خدمة الاحتلال ومصالحه الأمنية على حساب مصالح الشعب الفلسطيني.

من هو معاذ أبو عمرة؟

العقيد معاذ أبو عمرة اسم ارتبط بالفلتان الأمني الذي اجتاح قطاع غزة قبل أحداث يونيو/حزيران 2007. في تلك الفترة، وُجّهت اتهامات مباشرة لمجموعات مرتبطة بالمخابرات العامة بتنفيذ عمليات تفجير واغتيالات داخلية، وقيادة نشاطات ضد خصوم السلطة السياسيين والميدانيين.

وبعد أحداث الانقسام الداخلي، فرّ أبو عمرة إلى الضفة الغربية ليستقر في رام الله، حيث ظل جزءًا من الهيكل الأمني التابع مباشرةً لمحمود عباس ورئيس المخابرات ماجد فرج.

ومنذ ذلك الحين، ظل اسمه حاضرًا كأحد رجال الظل المقرّبين من مركز القرار الأمني.

واللافت أن اسم أبو عمرة لم يُرتبط فقط بقضايا سياسية وأمنية، بل امتد إلى ملفات جنائية. ففي 28 نوفمبر 2013، أصدرت النيابة العامة الفلسطينية مذكرة بإحضاره للتحقيق ومنعه من السفر، بعد اتهامه بالتورط في “جرائم قتل خارج القانون” خلال سنوات الفلتان الأمني.

لكن هذه المذكرة طُويت دون أي متابعة أو محاسبة، الأمر الذي عزّز قناعة الشارع الفلسطيني بأن الرجل يتمتع بـحصانة أمنية بفضل موقعه وصلاته بالقيادة العليا

وبذلك، مثّل أبو عمرة نموذجًا صارخًا للحالة التي يعيشها الجهاز الأمني للسلطة، حيث يفلت المتهمون من العقاب طالما أنهم يخدمون السياسة العليا للتنسيق مع الاحتلال.

شبكة نفوذ مسلحة خارج القانون

تؤكد مصادر ميدانية من غزة أن أبو عمرة كان يقود مجموعات مسلحة تتبع المخابرات، استخدمت في تنفيذ اعتقالات وعمليات ضغط على عناصر من الفصائل. بعض هذه العمليات أدت إلى سقوط ضحايا في نزاعات داخلية.

وهو ما رسّخ الانطباع بأن جهاز المخابرات في غزة لم يكن مجرد مؤسسة أمنية، بل شبكة نفوذ مسلحة تفرض هيمنتها خارج القانون، وتنفذ أجندات لا علاقة لها بحماية المجتمع الفلسطيني.

في هذه الأثناء فإن التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، الذي طالما وُصف بـ”المقدس” من قبل محمود عباس، يتعرض لانتقادات لاذعة في الشارع الفلسطيني. يرى معظم الفلسطينيين أن هذا التنسيق لا يخدم إلا الاحتلال، وأنه السبب المباشر في إضعاف المقاومة وتسهيل استهدافها.

ويُنظر إلى موقع “مسؤول المحافظات الجنوبية” الذي بات يتولاه أبو عمرة، كحلقة حساسة في هذه المنظومة، خصوصًا أن السلطة لا تملك سيطرة مباشرة على غزة منذ 2007. وبالتالي، فإن الدور ينحصر في إدارة شبكة من العملاء والمتعاونين مع الاحتلال، بما يضمن استمرار تدفق المعلومات الأمنية من القطاع إلى الشاباك.

وتعيين معاذ أبو عمرة في هذا الموقع ليس مجرد قرار إداري، بل رسالة سياسية وأمنية واضحة. فبينما يعيش قطاع غزة حربًا طاحنة وعدوانًا إسرائيليًا مستمرًا، تعلن السلطة عبر هذا التعيين التزامها الصارم بالتنسيق الأمني، وتبعث برسالة طمأنة للاحتلال بأن الأجهزة الأمنية في رام الله مستمرة في عملها ضد المقاومة.

لكن بالنسبة للشعب الفلسطيني، فإن الرسالة مختلفة تمامًا: إعادة تدوير أسماء ارتبطت بالفوضى والجرائم، وتقديمها في مواقع المسؤولية بدلاً من محاسبتها. وهو ما يعمّق فجوة انعدام الثقة بين السلطة والشارع، ويكرّس صورة أبو عمرة كـ”رمز للفلتان والعمالة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى