
في الوقت الذي يعيش فيه أبناء غزة تحت نيران حرب إبادة غير مسبوقة، تُحاك في الخفاء مؤامرة خبيثة تستهدف ما تبقى من كرامة وصمود الشعب الفلسطيني، هذه المرة تحت ستار “المساعدات الإنسانية”.
والمشروع تقوده أطراف ثلاثية الاحتلال الإسرائيلي، الإدارة الأمريكية، والسلطة الفلسطينية، بهدف إنشاء منطقة “آمنة” في شرقي رفح، تبدو في ظاهرها فلسطينية، لكن حقيقتها أنها مساحة سيطرة ناعمة تحت عين الاحتلال وأجهزته الأمنية.
ما يُعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية” أو GHF، تأسست في جنيف بزعم تخفيف معاناة الغزيين، لكنها تعمل فعليًا خارج رقابة الأمم المتحدة، وبتنسيق مباشر مع جهاز الشاباك الإسرائيلي.
والسلطة الفلسطينية، من خلال جهاز مخابراتها العامة، كانت شريكًا أساسيًا في هندسة هذا المشروع، حيث وافقت على منح تصاريح العمل لشركات مقاولات فلسطينية للتعامل مع GHF، بما في ذلك شركة جودت الخضري، سهيل السقا، وأحمد الحلو، قبل أن تُرسي المؤسسة عطاء التنفيذ على شركات ثلاث، انسحب منها لاحقًا الخضري والسقا بعد تسريب الأسماء، وبقيت شركة الخزندار وحيدة في الواجهة.
شركة الخزندار باتت مسؤولة عن إرسال أسماء العمال إلى الاحتلال لفحصهم أمنيًا، ويتم اختيار “المجتازين” ليقوموا بدور الوجه الإنساني للمؤسسة، مقابل راتب شهري يناهز 1200 دولار، بالإضافة إلى طرد غذائي يومي.
وفي العمق، يتحول هؤلاء إلى أدوات تجنيد وسيطرة، وهو ما أكدته المقاومة الفلسطينية عبر فيديو مصور وصفت فيه المنفذين بأنهم “مستعربون”، يشاركون في تمشيط المنازل، والبحث عن الأسلحة، وجمع المعلومات تحت غطاء إنساني مشبوه.
أسماء مثل ياسر أبو شباب وغسان الدهيني لم تعد تخفى على أحد، فهما يعملان بشكل رسمي ضمن أجهزة السلطة الفلسطينية، ويتبعان المخابرات العامة، ويقودان مجموعة ميدانية تستنسخ نموذج ميليشيا العرجاني في سيناء، والتي شُكّلت خصيصًا لحماية المصالح الأمنية للاحتلال، عبر فرض السيطرة، ابتزاز الناس، وملاحقة المقاومين بكل الوسائل.
السلطة تُحوّل مشاريع المساعدات لآليات احتلال
الفساد الاقتصادي جزء أساسي من هذا المخطط. بعض التجار الفلسطينيين المتورطين يتعاملون مباشرة مع الاحتلال لإدخال بضائع غير حيوية، مثل الهواتف المحمولة، وبيعها بأسعار باهظة نقدًا، دون أي رقابة، ما يُثير تساؤلات جدية أين تذهب هذه السيولة النقدية الضخمة؟ وكيف يتم تفريغ غزة من مواردها في ظل هذه الحرب؟.
والمخطط لا يتوقف عند الشأن الاقتصادي أو الأمني. التظاهرات الصغيرة التي بدأت في بعض المناطق، وحملات مواقع التواصل الاجتماعي التي تروج لمطالب معيشية، كلها تُدار من حسابات وهمية تشرف عليها أجهزة أمن السلطة، ضمن خطة أوسع للضغط على المقاومة، والتأثير على أي مفاوضات سياسية قادمة.
والمثير في الأمر أن المساعدات التي تُوزع عبر GHF لا تعبأ داخل غزة أو إسرائيل فقط، بل يُكشف اليوم عن انتقال مركز التعبئة إلى شركة يملكها رجل أعمال من الخليل، في خطوة أثارت حفيظة رجال أعمال إسرائيليين تساءلوا عن سبب إخراج المشروع من داخل إسرائيل إلى مناطق السلطة دون أي تفسير معلن.
والأكثر إثارة أن المساعدات الإماراتية تدخل إلى غزة عبر شركة “ميلينيوم”، المملوكة للأخوين شمعون وفيني سباح، أحد أبرز نشطاء حزب الليكود، والذي يستضيف بشكل دوري كبار المسؤولين الإسرائيليين في مناسبات احتفالية مثل “الميمونة”، بحضور وزراء وشخصيات على رأسهم ميري ريغيف، يسرائيل كاتس، نير بركات، وأمير أوحانا.
ونحن اليوم أمام فضيحة موثقة لا تحتمل التأويل، لا تحليلات ولا شائعات، بل حقائق تؤكد أن مشروعًا دوليًا بواجهة إنسانية، يتم تنفيذه فلسطينيًا، هدفه تفكيك ما تبقى من الصمود في غزة، وزرع مناطق سيطرة تخدم الاحتلال. إنها نسخة حديثة من الإدارة المدنية القديمة، لكن بثوب جديد، مموه بـ”المساعدات”، ومسكون بالتواطؤ المكشوف.