مهام مسؤول المحافظات الجنوبية في جهاز المخابرات العامة الفلسطينية

أثار تعيين العقيد معاذ أبو عمرة مديرًا لجهاز المخابرات العامة في المحافظات الجنوبية (قطاع غزة) جدلاً واسعًا في الأوساط الفلسطينية، لما يحمله الرجل من تاريخ مثير للجدل يتعلق بدوره السابق في إدارة ملفات أمنية حساسة، وارتباط اسمه بقضايا أثارت علامات استفهام عديدة حول علاقة جهاز المخابرات بعمليات تصب في صالح الاحتلال الإسرائيلي.
ويؤكد مراقبون أن تعيين أبو عمرة في هذا المنصب يعكس طبيعة المنظومة الأمنية للسلطة، التي تضع أولوية مطلقة للتنسيق الأمني على حساب المصالح الوطنية الفلسطينية. وبذلك، يظل الموقع أداة لتعميق الانقسام وتعزيز قبضة الاحتلال، أكثر مما هو وسيلة لحماية الشعب الفلسطيني وصون حقوقه.
ويعد جهاز المخابرات العامة الفلسطينية واحدًا من أبرز الأجهزة الأمنية العاملة في الضفة الغربية، ويخضع بشكل مباشر لإشراف الرئيس محمود عباس.
وبحسب هيكلية الجهاز، فإن مسؤول المحافظات الجنوبية – أي قطاع غزة – يُفترض أن يتولى ملفات أمنية متصلة بـ”متابعة التهديدات”، و”رصد النشاطات المسلحة”، و”إدارة شبكة الاتصالات الأمنية” مع القيادة في رام الله.
غير أن مصادر متعددة، وشهادات من داخل القطاع، تؤكد أن المهام الفعلية لهذا الموقع تتجاوز الجانب الأمني الداخلي، لتشمل تنفيذ عمليات تخابر وتنسيق أمني بين المخابرات الفلسطينية ونظرائهم في جهاز “الشاباك” الإسرائيلي، بهدف جمع المعلومات عن فصائل المقاومة في غزة، سواء على مستوى قيادتها أو عناصرها أو بنيتها التنظيمية.
التخطيط لاغتيالات واستهداف المقاومة
بحسب ما تسرب عبر تقارير إعلامية ووثائق غير رسمية، فإن مهام المسؤول الأمني في المحافظات الجنوبية تتضمن تغذية الاحتلال بمعلومات ميدانية تساعده في التخطيط لعمليات اغتيال تستهدف قيادات ميدانية من حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وسائر الفصائل الأخرى.
ويقول خبراء في الشأن الأمني إن هذه المهام، التي تتم تحت مسمى “التنسيق الأمني”، تمثل جوهر سياسة السلطة منذ توقيع اتفاق أوسلو، حيث جرى تحويل الأجهزة الأمنية إلى أداة لضبط المقاومة أكثر من كونها وسيلة لحماية الفلسطينيين من الاعتداءات الإسرائيلية اليومية.
من هو معاذ أبو عمرة؟
العقيد معاذ أبو عمرة ليس اسماً جديدًا في الساحة الأمنية. فهو برز خلال فترة الفلتان الأمني في قطاع غزة قبل عام 2007، عندما اتُهمت مجموعات مرتبطة بالمخابرات العامة بتنفيذ عمليات تفجير واغتيال داخلية، إلى جانب إدارة نشاطات مرتبطة برام الله ضد خصوم السلطة في القطاع.
وبعد أحداث الانقسام في يونيو/حزيران 2007، فرّ أبو عمرة إلى الضفة الغربية، حيث أقام في رام الله، وظلّ منذ ذلك الحين جزءًا من الهيكل الأمني المركزي الخاضع مباشرةً لمحمود عباس وماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة.
واللافت أن اسم أبو عمرة ارتبط أيضًا بقضايا جنائية. ففي وثيقة مسربة من النيابة العامة الفلسطينية بتاريخ 28 نوفمبر 2013، صدر أمر بإحضاره للتحقيق ومنعه من السفر، على خلفية اتهامات بالتورط في “جرائم قتل خارج القانون” ارتُكبت خلال سنوات الفلتان الأمني في قطاع غزة.
ورغم صدور هذه المذكرة، فإن الملف طوي دون محاسبة أو تنفيذ، ما أثار شبهات حول الحصانة التي يتمتع بها بحكم موقعه الأمني وصلاته بالقيادة العليا.
جهاز المخابرات الفلسطينية ويكيبيديا
إلى جانب عمله الرسمي، تؤكد مصادر ميدانية أن أبو عمرة كان يقود مجموعات مسلحة تابعة للمخابرات، استخدمت في تنفيذ اعتقالات وعمليات ضغط ضد عناصر من الفصائل، فضلًا عن التورط في نزاعات داخلية أفضت إلى سقوط ضحايا.
هذا السلوك عزز الانطباع بأن المخابرات العامة في المحافظات الجنوبية ليست مجرد جهاز أمني، بل شبكة نفوذ مسلحة تعمل خارج الأطر القانونية.
ومنذ سنوات، يتعرض التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال لانتقادات واسعة، إذ يعتبره منتقدوه “خيانة وطنية” تُستخدم لضرب المقاومة وإضعاف قدرة الفلسطينيين على حماية أنفسهم.
ويُنظر إلى موقع مسؤول المحافظات الجنوبية على أنه حلقة حساسة في هذه المنظومة، خصوصًا أن القطاع خارج سيطرة السلطة المباشرة منذ 2007، ما يجعل المهام الأمنية تقتصر على إدارة شبكة العملاء والمتعاونين، وتزويد الاحتلال بمعلومات، من الضفة أو من مصادر داخل غزة.
ويُعتقد أن تعيين أبو عمرة في هذا الموقع يُراد منه توجيه رسائل سياسية وأمنية للإسرائيليين بأن السلطة ماضية في التزاماتها الأمنية رغم الحرب المستمرة في غزة، وذلك على حساب ثقة الشارع الفلسطيني الذي يرى أن السلطة تُعيد تدوير أسماء ارتبطت بالفلتان الأمني والجرائم، بدلاً من محاسبتها أو إبعادها عن المشهد.