المؤتمر العام الثامن لحركة فتح.. هل يدشّن لحقبة صراع لا نهاية لها؟

بينما تستعد حركة فتح لعقد المؤتمر العام الثامن، تتصاعد المخاوف داخل الأطر التنظيمية والسياسية الفلسطينية من أن تتحول هذه المحطة المرتقبة إلى مقدمة لصراع طويل الأمد على النفوذ والشرعية، بدلاً من أن تكون فرصة لتجديد الدماء وتوحيد الصفوف.
فالتحضيرات الجارية لعقد المؤتمر تُنذر بمرحلة جديدة من الصدامات الداخلية، وسط تهميش متصاعد للحركة في المشهد الوطني الفلسطيني، واستمرار التآكل في شعبيتها، وفشلها في تقديم مشروع سياسي بديل يحظى بالثقة والقبول الشعبي.
عزلة سياسية وتنظيم مفكك
منذ سنوات، تعيش حركة فتح حالة من الانكفاء والانفصال عن نبض الشارع الفلسطيني، بعد أن تحولت تدريجياً من حركة تحرر وطني إلى ذراع بيروقراطي للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، وتزايد الهجمات الاستيطانية في الضفة، بدت فتح غائبة عن المشهد المقاوم، وأقرب إلى خانة الحياد السلبي إن لم تكن التواطؤ، في نظر جزء كبير من الرأي العام الفلسطيني.
هذا التراجع في التأثير والفاعلية لم يكن محصوراً فقط في الساحة الشعبية، بل انسحب أيضًا على مؤسسات الحركة الداخلية. اللجنة المركزية لحركة فتح باتت ساحة لصراعات شخصية ومصالح ضيقة، بعيدًا عن أي رؤى استراتيجية، فيما غابت الديناميات الديمقراطية عن الجسم التنظيمي لصالح سياسات الإقصاء والمحاباة.
محمود عباس و”الهندسة السياسية”
في قلب هذا المشهد، يظهر الرئيس محمود عباس باعتباره المهندس الفعلي للترتيبات الجارية للمؤتمر الثامن، وهو ما يثير قلقاً واسعاً في صفوف أبناء الحركة.
إذ تتواتر التقارير عن سعي عباس، بتآمر من حسين الشيخ وحلفائه، إلى إعادة تشكيل اللجنة المركزية وفق حسابات الولاء والطاعة، وليس بناءً على الكفاءة أو التمثيل الفعلي للقاعدة التنظيمية.
ويبدو أن الهدف الأساسي من هذا المسعى هو ضمان استمرار تحكم عباس في مفاصل القرار داخل فتح، بل ومن خلالها على النظام السياسي الفلسطيني بأكمله، خاصة في مرحلة ما بعده.
ويؤكد مراقبون أن حسين الشيخ، الذي يُطرح كخليفة محتمل لعباس، هو المستفيد الأكبر من هذه “الهندسة”، حيث يعمل على تصفية الخصوم داخل الحركة وتوسيع نفوذه التنظيمي والمؤسساتي.
صراع داخل اللجنة المركزية
مع اقتراب موعد المؤتمر، تتزايد مؤشرات الخلافات الحادة داخل اللجنة المركزية الحالية، خصوصاً بين الجناح الموالي لحسين الشيخ، وقيادات تاريخية أخرى تشعر بأنها مستهدفة بالتهميش أو العزل.
ومن بين أبرز الملفات الخلافية: آلية اختيار المندوبين، طبيعة القضايا المطروحة للنقاش، والسيناريوهات المتعلقة بخلافة عباس في رئاسة الحركة والسلطة.
وما يزيد الوضع توتراً أن عباس يرفض بشدة أي مطالب لفتح النقاش حول قضايا حساسة، من قبيل التنسيق الأمني، إدارة الصراع مع الاحتلال، فشل مشروع الدولة، ومستقبل السلطة الفلسطينية. وهو ما يعزز الاعتقاد بأن المؤتمر سيكون شكلياً في مضمونه، لكنه صراعي بامتياز في خلفياته ومآلاته.
ملف المفصولين.. قنبلة موقوتة
من القضايا التي تُثقل كاهل المؤتمر أيضاً، ملف المفصولين من حركة فتح، وعلى رأسهم القيادي المفصول محمد دحلان، إضافة إلى العشرات من الكوادر المحسوبة على تيارات معارضة لعباس.
هذا الملف، الذي تم تجاهله أو تجميده في المؤتمرات السابقة، بات يُهدد بانفجار داخلي في حال لم تتم معالجته ضمن مقاربة شاملة تعيد الاعتبار للوحدة التنظيمية وتضع حدًا لنهج الإقصاء.
لكن ما يبدو مرجحاً حتى الآن هو مواصلة عباس وحلفائه رفض أي نقاش حول عودة المفصولين أو إدماج الأصوات المعارضة، وهو ما قد يدفع باتجاه مزيد من الانشقاق والتفكك داخل الحركة، وربما الإعلان عن تشكيلات موازية من قبل الغاضبين، وهو سيناريو تكرّر في السنوات الماضية بصورة غير رسمية في عدد من المناطق.
سيناريو ما بعد المؤتمر: وحدة أم انقسام؟
رغم المحاولات لتسويق المؤتمر الثامن باعتباره محطة لتجديد “الشرعية الفتحاوية”، فإن الوقائع السياسية والتنظيمية لا تدعم هذا التفاؤل.
على العكس، تشير التقديرات إلى أن ما سيخرج به المؤتمر من نتائج سيُكرّس الانقسامات الداخلية، ويُعمّق أزمة القيادة، وربما يُعجّل في تفكك الحركة إلى أجنحة متصارعة بدل توحيدها خلف مشروع وطني جامع.
كما أن استبعاد طيف واسع من كوادر فتح في غزة، والشتات، وبعض مناطق الضفة من المشاركة الفعالة في المؤتمر، سيُقابل على الأرجح بموجة رفض واحتجاج قد تأخذ أشكالاً تنظيمية ميدانية، بما في ذلك رفض الاعتراف بمخرجات المؤتمر أو تنظيم فعاليات احتجاجية ضده.
أين المشروع الوطني من كل هذا؟
في خضم هذه الصراعات التنظيمية والشخصية، يغيب الهم الوطني الفلسطيني والمشروع التحرري عن جدول أعمال المؤتمر، وكأن فتح تخلّت نهائيًا عن دورها كحركة مقاومة، واكتفت بأن تكون جهازاً ملحقاً بالسلطة، مهمته إدارة الأزمة لا المواجهة.
هذا الغياب يُعمّق من عزلة فتح في الشارع الفلسطيني، ويُسهم في تعزيز التيارات البديلة، سواء في غزة أو داخل الضفة، التي باتت تُطرح كبدائل جدية للمشهد السياسي الحالي، لا سيما في ظل فشل التنسيق الأمني، وضياع حل الدولتين، وتآكل مؤسسات السلطة نفسها.
مؤتمر بلا أفق
في ضوء كل ما سبق، يبدو أن المؤتمر الثامن لحركة فتح يسير نحو أن يكون محطة تفجيرية لا توحيدية. فبدلاً من إعادة بناء الحركة على أسس ديمقراطية ووطنية، يتم تفصيل المؤتمر لخدمة أهداف سياسية ضيقة، تنحصر في تأبيد السيطرة وتكريس النفوذ وقطع الطريق على أي مشروع بديل.
ومع غياب الإرادة السياسية لإصلاح داخلي حقيقي، ووجود قيادة تُدير الحركة بعقلية الحصار والولاء، يُخشى أن يُدشّن هذا المؤتمر حقبة جديدة من الصراع الداخلي، قد لا تخرج منها فتح موحدة ولا فاعلة، بل مجرد شبح سياسي بلا وزن ولا تأثير.