تحليلات واراء

خطة ترامب: إقصاء الحقوق الفلسطينية مقابل مكاسب واضحة لإسرائيل

عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطته المؤلفة من عشرين نقطة لإنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، سعى إلى تسويقها كإنجاز سياسي تاريخي، لكن بين بنودها العامة ومصطلحاتها الغامضة، سرعان ما ظهر أن هذه الخطة لا تحمل للفلسطينيين سوى إعادة إنتاج للوضع الراهن، وتُقصيهم من تقرير مصيرهم، في مقابل مكاسب واضحة لإسرائيل.

إذ تتضمن الخطة دعوات لوقف إطلاق النار، واستئناف دور الأمم المتحدة في إيصال المساعدات، وبدء مفاوضات حول “دولة فلسطينية مستقبلية”. لكن هذه البنود تبدو أقرب إلى شعارات سياسية من كونها التزامات فعلية.

فالمقترح لم يقدّم جدولًا زمنيًا ملزمًا، ولم يحدّد أي آليات لضمان رفع الحصار أو وقف الاستيطان، وهو ما يعني أن غزة ستظل في وضع شبيه بما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023: هدنة هشة بلا ضمانات أو رفع للحصار.

أما ملف إعادة الإعمار، فقد جرى تقديمه ضمن مقاربة شبيهة بما حدث في العراق بعد الغزو الأميركي، أي مشاريع خارجية تحت إشراف دولي–غربي من دون دور للفلسطينيين. وهنا تكمن خطورة الخطة: تحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة ابتزاز سياسي، بدلًا من كونها حقًا أساسيًا لضحايا الحرب.

خطة ترامب لوقف حرب غزة

من أبرز عيوب الخطة استبعادها شبه الكامل للسلطة الفلسطينية، رغم كونها الجهة المعترف بها دوليًا. أما حركة حماس وفصائل المقاومة، فقد فُرضت عليها شروط قاسية: نزع السلاح، مغادرة القطاع، والتخلي عن أي دور سياسي.

وبذلك، تخلق الخطة فراغًا سياسيًا متعمّدًا يتيح لإسرائيل وحلفائها إدارة غزة وفق منظور أمني بحت، من دون أي شريك فلسطيني حقيقي.

بموازاة ذلك فإن تكليف توني بلير بالإشراف على الخطة يزيد من الشبهات، إذ لا يزال سجله في الشرق الأوسط محاطًا بالجدل بسبب دوره في غزو العراق. فالنتيجة المتوقعة هي وصاية أجنبية جديدة على غزة، بدلًا من الاعتراف بها كجزء من وطن فلسطيني مستقل.

تجاهل الحق الفلسطيني في تقرير المصير

الخطة لا تُخاطب الفلسطينيين كشعب صاحب حق في تقرير مصيره، بل كجماعة بحاجة إلى إدارة دولية لأوضاعها. فكرة “مجلس سلام” أو “قوة استقرار دولية” بقيادة ترامب وبلير تعني ببساطة إزاحة الفلسطينيين عن دائرة القرار، وتحويل غزة إلى منطقة تخضع لترتيبات أمنية واقتصادية من الخارج.

وهذا يتناقض تمامًا مع مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالحقوق الوطنية الفلسطينية.

ويرى مراقبون أن إعطاء ترامب للمقاومة ثلاثة أو أربعة أيام فقط للرد على الخطة يُظهر طبيعتها الإملائية. فالخيار الوحيد أمام الحركة كان إما القبول بشروط مجحفة، أو مواجهة تهديد بمواصلة الحرب الإسرائيلية، وهو ما يحوّل الخطة إلى إنذار أكثر من كونها مبادرة سلام.

موقف عربي مرتبك وخاضع

رغم أن بعض الدول العربية رحبت بالجهود الأميركية، إلا أن تقارير عديدة كشفت عن صدمتها من التغييرات الأخيرة التي انحازت لصالح إسرائيل قبل إعلان النص النهائي.

هذا الأمر يكشف أن التأييد العربي لا يتجاوز الرغبة في تهدئة الموقف وحماية الاستقرار الداخلي، أكثر من كونه دعمًا حقيقيًا لحقوق الفلسطينيين.

إذ على أرض الواقع، تحقق الحكومة الإسرائيلية معظم أهدافها: الإفراج عن الرهائن، نزع سلاح حماس، وضمان استمرار السيطرة الأمنية على غزة. في المقابل، لم يحصل الفلسطينيون سوى على وعود غامضة بإعادة إعمار، وحديث فضفاض عن “دولة” لم تُحدد معالمها ولا توقيت قيامها.

الأخطر أن نتنياهو، وفق تقديرات محللين إسرائيليين، قد يستغل الخطة لإضاعة الوقت وتخفيف الضغوط الدولية، من دون نية حقيقية لتطبيقها. فهو قادر على إعلان “القبول” بينما يواصل الاحتلال والاستيطان، ليبقى الفلسطينيون أسرى واقع خانق بلا أفق سياسي.

والخلاصة أنه بدلًا من فتح الطريق أمام تسوية عادلة، تكرّس خطة ترامب أجواء الغموض وتعيد إنتاج فشل أوسلو وخارطة الطريق وصفقة القرن السابقة.

فهي مبادرة بلا ضمانات، بلا تمثيل فلسطيني، وبلا معالجة لجذور الصراع، لتتحول إلى مجرد محاولة لإعادة ترتيب المشهد بما يخدم أمن إسرائيل ويمنح بعض الأنظمة العربية غطاءً مؤقتًا أمام شعوبها.

وعليه يمكن القول إن الفلسطينيين لا يواجهون هنا “فرصة سلام”، بل نسخة جديدة من المسرحيات السياسية التي تُقدَّم لهم منذ عقود، وتُبقي حلم الدولة المستقلة معلّقًا في الهواء، بلا سيادة وبلا أرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى