العجز والتهميش يهيمنان على عباس في مقابلته مع قناة “العربية”

أثارت المقابلة الأخيرة التي أجراها رئيس السلطة محمود عباس مع قناة “العربية” استياءً واسعًا، بعد أن هيمن العجز والتهميش على تصريحاته ومواقفه من دون أن تحمل جديدًا على مستوى الخطاب السياسي.
ورأى مراقبون أن مقابلة عباس جاءت تكرارًا لمواقف وتصريحات قديمة، في وقت يعيش فيه الشعب الفلسطيني لحظة تاريخية مليئة بالأزمات الممتدة من غزة إلى الضفة الغربية والقدس، وصولاً إلى الشتات.
وبدا عباس في حديثه مترددًا، متناقضًا، وأحيانًا منفصلاً عن الواقع، ما جعل ساعته التلفزيونية تبدو “مهدورة” كما وصفها كثيرون، بدلًا من أن تكون فرصة لتقديم رؤية قيادية تواكب حجم التحديات.
خطاب خالٍ من الرؤية
ركز عباس في المقابلة على توصيف الحرب الإسرائيلية على غزة باعتبارها “قتالًا”، وهو توصيف بدا عاجزًا عن ملامسة حقيقة المشهد الذي يصفه المجتمع الدولي والإعلام العالمي بأنه إبادة جماعية.
وكرر القول إن “السلطة تعمل أولًا على وقف القتال”، من دون أن يقدم خطوات عملية أو أدوات ملموسة لتحقيق ذلك.
وفي حديثه عن حركة حماس والمقاومة، حمّلها المسؤولية الكاملة عما جرى لغزة، مدعيًا أن القطاع كان يعيش “هدوءًا تامًا” قبل عام 2007، متجاهلًا سنوات طويلة من الحصار الإسرائيلي والاعتداءات المتكررة التي سبقت الانقسام الداخلي.
هذه المقاربة، التي تُلصق التدمير والخراب بمقاومة الاحتلال لا بالاحتلال نفسه، اعتُبرت انحيازًا لرواية إسرائيلية واضحة المعالم.
الاعتراف بالفشل الدولي
أقر عباس بأن قرارات الأمم المتحدة لم تجد طريقها إلى التنفيذ، لكنه لم يطرح بدائل سياسية أو دبلوماسية جديدة، مكتفيًا بتكرار رهان السلطة على الحصول على عضوية كاملة في المنظمة الدولية.
ورغم يقينه المسبق بأن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض (الفيتو) لإجهاض هذا المسعى، إلا أنه ظل متمسكًا به باعتباره “المخرج” الوحيد، ما فُهم على أنه استمرار في سياسة الانتظار والمراهنة على وعود دولية أثبتت السنوات أنها بلا جدوى.
وواحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل كانت تأكيد عباس تمسكه بـ اتفاق أوسلو، رغم إقراره الصريح بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ألغاه عمليًا من الجانب الإسرائيلي.
ومع ذلك، قال عباس إن الاتفاق “ثنائي” ولا يمكن الانسحاب منه إلا بتوافق الطرفين، متجاهلًا حقيقة أن إسرائيل دفنته على الأرض منذ سنوات عبر الاستيطان، التهجير، والحصار.
هذا الموقف فُسر على أنه إصرار على التمسك بإطار سياسي ميت، يفتقر إلى أي قدرة على حماية الحقوق الفلسطينية أو مواجهة المخاطر الاستراتيجية التي تهدد القضية الوطنية.
مقاومة بلا أنياب
في معرض حديثه عن خيارات الفلسطينيين، شدد عباس على رفض الدخول في أي مواجهة عسكرية، وقال إنه يؤيد “مقاومة شعبية بلا سلاح”.
ورغم أن هذا الطرح يبدو أقرب إلى المواقف الغربية، إلا أنه يتجاهل واقع أن الاحتلال لم يتوقف يومًا عن استخدام أقصى درجات العنف ضد المدنيين العزّل.
واعتبر مراقبون أن هذا الخطاب يُفرغ المقاومة من مضمونها، ويعيد إنتاج صيغة تفاوضية عقيمة لم تقدم للشعب الفلسطيني سوى مزيد من الخسائر.
إلى ذلك خصص عباس قسمًا رئيسيًا من المقابلة للحديث عن كتاباته عن اليهود، معتبرًا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي “نادمة على الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلًا شرعيًا وحيدًا للشعب الفلسطيني”.
وبدا هذا الطرح خارجًا عن سياق اللحظة الراهنة، إذ كان يُفترض أن يركز رئيس السلطة على المخاطر الوجودية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، وعلى سبل مواجهة الإبادة في غزة والتهويد في الضفة. لكن بدلاً من ذلك، انصرف إلى استعراض شخصي لا يضيف شيئًا للواقع المأساوي.
تهميش متعمد للقضايا الجوهرية
لم يضع عباس أي تصوّر عملي لمواجهة المخاطر التي تعصف بالقضية الفلسطينية: لا على مستوى إعادة بناء الوحدة الوطنية، ولا في ما يتعلق بإعادة الاعتبار للمؤسسات السياسية المتهالكة، ولا حتى بشأن مصير مئات آلاف النازحين في غزة أو الاعتداءات المستمرة في الضفة. كل ما قدّمه هو تكرار لمقولات قديمة فقدت صلتها بالواقع، في وقت يحتاج فيه الفلسطينيون إلى قيادة تطرح بدائل عملية وتبث الثقة.
وبينما يعيش الفلسطينيون مأساة كبرى تتجسد في المجاعة بغزة، التهجير القسري، وتوسع الاستيطان في الضفة، اختار الرئيس عباس أن يكرر خطابًا متهالكًا لا يحمل جديدًا، بل يرسخ الانطباع بأن القيادة الحالية فقدت القدرة على الفعل والتأثير.
وبدا واضحًا أن عباس يفتقد إلى الرؤية الاستراتيجية التي تواكب حجم التحديات، وأن السلطة التي يرأسها تراهن على أوراق فقدت صلاحيتها منذ زمن طويل.





