تحليلات واراء

مؤامرة السعودية: إقصاء المقاومة من المشهد في غزة كشرط للحل

كشفت وثيقة مسربة عن اشتراط المملكة العربية السعودية ضرورة إقصاء المقاومة الفلسطينية لا سيما حركة حماس من المشهد في قطاع غزة كشرط للحل ضمن تسوية ما بعد حرب الإبادة الإسرائيلية التي استمرت لعامين.

وأوردت صحيفة “الأخبار” اللبنانية أنه في نهاية أيلول الماضي، وزّعت وزارة الخارجية السعودية على بعثاتها ورقةً بعنوان “رؤية المملكة لتحقيق السلام والاستقرار في قطاع غزة والضفة الغربية”، تمثّل تصوّر الرياض لـ”اليوم التالي” في غزة.

وبحسب الصحيفة فإن تصور السعودية يبدأ بـ”تعزيز دور حركة فتح وإصلاح السلطة الوطنية الفلسطينية، على أن يُسهم هذا الدور في تعزيز الشراكة مع الأشقاء الفلسطينيين لبناء دولة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.

وترى المملكة أن الوصول إلى هذا الهدف يقتضي “تهميش دور حركة حماس في الحوكمة”، وأن “تحقيق السلام والاستقرار في غزة يتطلب توحيد الصف الفلسطيني تحت شرعية موحدة” على حد تعبيرها.

ولذا، تدعو السعودية إلى “تقليص الدور العسكري والإداري لحركة حماس” وتذهب حد أن “علاج حماس يجب أن يكون خطوة أساسية لبناء بيئة آمنة تسهم في إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار”.

وتتضمّن الورقة السعودية جملة أهداف استراتيجية، أولها نزع السلاح تدريجياً “عبر اتفاقيات دولية وإقليمية تضمن الحيادية”، ثم “توحيد الحوكمة” عبر “دعم انتقال إدارة غزة إلى السلطة الفلسطينية بما يعزّز الوحدة الوطنية”، وأخيراً “تعزيز السلام” عبر ربط هذه الجهود بـ”حلّ الدولتين مع الالتزام بالقرارات الدولية لضمان حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة”.

واللافت في تلك البنود هو تشابهها مع ما ورد في ورقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول “اليوم التالي لحماس” التي قدّمها إلى “الكابينت” في شباط 2024؛ إذ إن كليهما تتعاملان مع “اليوم التالي” بوصفه لحظة لإعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني.

مع فارق أن ورقة نتنياهو ركّزت على إبعاد “حماس” كلياً عن الحكم وإلغاء أي بنية عسكرية أو مدنية لها، في حين دعت السعودية إلى تهميش دور الحركة تدريجياً عبر “تقليص دورها العسكري والإداري” تحت شعار “توحيد الصف” الفلسطيني.

وفي ما يخصّ سلاح المقاومة، تحدّث كلا الطرفين عن نزعه؛ إمّا “نزعاً كاملاً لأي قدرة عسكرية” وفقاً لما ذهبت إليه تل أبيب، أو تدريجياً “عبر اتفاقيات دولية وإقليمية تضمن الحيادية”، بحسب ما اقترحته الرياض.

المحتوى والرؤية الاستراتيجية

تقوم الورقة على محورين أساسيين: أولاً، تعزيز دور السلطة الفلسطينية وحركة فتح كجهة شرعية وحاكمة، وثانياً، تهميش دور حركة حماس تدريجياً عبر تقليص نفوذها العسكري والإداري في غزة.

في الجانب السياسي، تدعو الورقة إلى توحيد الصف الفلسطيني تحت سلطة موحدة، معتبرة أن ذلك سيساهم في بناء بيئة مستقرة تتيح إعادة الإعمار وتحقيق السلام.

وتتمثل الخطة السعودية في تعزيز النزاهة والكفاءة داخل مؤسسات السلطة، دعم الإصلاحات لمكافحة الفساد وتحسين الأداء الإداري، وتوسيع التمثيل العادل للفصائل الفلسطينية، بما يشمل توفير تمكين اقتصادي للسلطة لتقديم الخدمات الأساسية.

على الصعيد الأمني، تشير الوثيقة إلى ضرورة “نزع السلاح تدريجيًا عبر اتفاقيات دولية وإقليمية تضمن الحيادية”، وهو بند يتقاطع مع رؤية إسرائيل في نزع السلاح، وإن اختلفت آليات التنفيذ بين الطرفين؛ السعودية تراهن على تدريجية العملية مقابل المطالبة الإسرائيلية بالنزع الكامل والفوري لقدرات المقاومة العسكرية.

أما الجانب الإقليمي والدولي، فتركز الورقة على تعزيز دور الأشقاء العرب، خصوصاً مصر والأردن، ضمن جهود تقليص النفوذ العسكري لحماس، إلى جانب دعم نشر بعثة دولية تحت إشراف الأمم المتحدة لتثبيت السلام وحماية المدنيين.

كما تحاول الورقة أن تضع دوراً محورياً للسلطة الفلسطينية في غزة، عبر خطط انتقالية لإدارة موحدة، ودعم اقتصادي وبرامجي لتثبيت الشرعية الفلسطينية.

تفنيد الورقة ونقد أهدافها

رغم الطابع الرسمي للورقة، إلا أن تحليل بنودها يظهر أنها تنطوي على عدة نقاط ضعف ومخاطر سياسية:

إقصاء المقاومة كشرط أساسي للحل: الورقة تضع تهميش حماس كخطوة أساسية قبل أي عملية إعادة إعمار أو استقرار، ما ينسجم مع خطط إسرائيلية لإضعاف المقاومة ويجعلها شريكًا أساسيًا في تسوية مفروضة من الخارج، ما يهدد الشرعية الشعبية الفلسطينية ويثير رفضاً داخلياً واسعاً.

الربط بين الإصلاح والمساعدات: تقديم الدعم المالي والاقتصادي مشروط بإصلاح السلطة وتقييد حماس، ما يحوّل المساعدات إلى أداة ضغط سياسي أكثر من كونها وسيلة لتخفيف المعاناة الإنسانية، ويزيد الاعتماد على المحيط العربي والدولي بدلاً من الاعتماد على المؤسسات الفلسطينية نفسها.

إضعاف الموازنة بين الفصائل: الدعوة إلى توحيد السلطة على حساب حماس ستقوض التوازن السياسي داخل غزة، وقد يؤدي إلى صراع داخلي بين الفصائل، مع احتمال تصعيد الأزمة بدل تهدئتها.

الاعتماد على الأطراف الإقليمية: الورقة تضع مصر والأردن كجهتين مركزيتين لتنفيذ خطوات تقليص النفوذ العسكري، ما يعيد إنتاج النفوذ الإقليمي على حساب السيادة الفلسطينية ويعيد تجربة الماضي التي أثبتت محدودية فاعلية هذه التدخلات في تحقيق استقرار حقيقي.

تجاهل الأونروا ودورها: عدم ذكر الوكالة الأممية يفتح الباب أمام استبعادها عن أي جهود لإعادة الإعمار أو تقديم المساعدات، ما قد يؤدي إلى فراغ مؤسسي يفاقم الأزمة الإنسانية، ويعزز سيطرة السلطة على الموارد بشكل جزئي يفتقد للشفافية والمساءلة.

مخاطر التصور السعودي على المشهد الفلسطيني

أولاً، يمكن للورقة أن تزيد الانقسامات السياسية داخل المجتمع الفلسطيني، حيث ستشعر حماس وجناحها الشعبي بالإقصاء والإضعاف، مما يخلق بيئة غير مستقرة سياسيًا وأمنيًا.

ثانياً، تحويل السلطة الفلسطينية إلى الجهة الوحيدة المسؤولة عن إدارة غزة دون توافق داخلي سيضعها تحت ضغط داخلي وخارجي، وقد يُستغل هذا الفراغ لإعادة تشكيل المشهد السياسي بما يخدم المصالح الإقليمية والدولية على حساب حقوق الفلسطينيين.

ثالثاً، ربط إعادة الإعمار بموافقة الفصائل على نزع السلاح تدريجيًا أو تقييد نفوذها العسكري يضع المدنيين في موقف ضعف، حيث تتحول المعونات الإنسانية إلى أداة ضغط سياسية، ما قد يزيد من المعاناة ويقوض فرص التعافي النفسي والاجتماعي بعد حرب الإبادة.

رابعاً، تجاهل الأونروا يفتح المجال أمام تقليص الدعم المباشر للاجئين الفلسطينيين، ما يفاقم هشاشة المجتمع المدني ويعزز التدخلات المباشرة للسلطة والفصائل العربية والدولية في شؤون الحياة اليومية للسكان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى