الاحتلال يعلن المواصي مركزًا للتهجير القسري برعاية إماراتية

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن تحويل منطقة المواصي في خانيونس إلى ما أسماه “منطقة إنسانية”، ستُقدَّم فيها خدمات طبية وغذائية ولوجستية للفلسطينيين النازحين، وذلك في خطوة تأتي كجزء من سياسة “التهجير القسري الصامت”،
وأرفق الاحتلال إعلانه بخريطة توضح أن منطقة المواصي ستكون مركزًا لتجميع عشرات آلاف النازحين، على أن تُدار وتُموّل بعض مرافقها من دولة الإمارات.
والخطوة التي يصفها الاحتلال بأنها “تحسين للظروف الإنسانية”، ينظر إليها الفلسطينيون ومراقبون دوليون باعتبارها محطة جديدة في مسار التهجير القسري، إذ تتحول المواصي إلى “سجن مركزي مفتوح”، يمهّد لإخراج الفلسطينيين أولًا نحو الجنوب، ومن ثم خارج قطاع غزة كليًا.
خطط التهجير الإسرائيلية
تقع منطقة المواصي على الساحل الغربي لخانيونس، وقد كانت تاريخيًا منطقة زراعية محدودة الاستخدام. لكن مع حرب الإبادة المستمرة وما رافقها من قصف واسع وتهجير داخلي، لجأ عشرات آلاف الفلسطينيين إلى المواصي باعتبارها “الملاذ الأخير” بعد أن دُمّرت منازلهم في شمال ووسط القطاع.
ويأتي إعلان الاحتلال تحويل هذه المنطقة إلى “منطقة إنسانية” ليكرّس الأمر الواقع: تحويل مساحات محدودة من الأرض إلى مخيمات ضخمة محاصرة، حيث تُفرض على السكان ظروف معيشية قاسية، تحت رقابة أمنية مشددة، وبنية تحتية متهالكة.
وفي الوقت نفسه، تُستخدم “الخدمات الإنسانية” كغطاء لإخفاء الهدف الحقيقي: إدارة السكان بدل حمايتهم، والتحكم في حركتهم بدل ضمان حقوقهم.
الإمارات: الممول والغطاء السياسي
كشفت الخريطة التي نشرها جيش الاحتلال أن بعض المراكز الخدمية في المواصي ستكون بتمويل إماراتي مباشر. هذه الخطوة لم تُفاجئ الكثيرين، بالنظر إلى سجل أبوظبي في السنوات الأخيرة في دعم مشاريع يراها الفلسطينيون وسيلة للالتفاف على قضيتهم.
فبعد مشاريع “إعادة الإعمار” المشروطة في غزة، وتطبيع العلاقات الكاملة مع إسرائيل عبر اتفاقية أبراهام، يأتي الآن التمويل الإماراتي لما يُسمى “منطقة إنسانية” ليُقرأ على نطاق واسع كجزء من خطة سياسية مشتركة تهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه تدريجيًا.
ويرى محللون أن الإمارات تلعب هنا دور “المموِّل المحايد” لتجميل وجه الاحتلال، بينما في الواقع توفر له الغطاء السياسي والمالي لتطبيق سيناريو التهجير.
وتظهر التحولات الميدانية خلال حرب الإبادة المستمرة أن خطة الاحتلال قائمة على مراحل:
المرحلة الأولى: قصف وتدمير واسع النطاق في شمال غزة، لدفع السكان إلى النزوح جنوبًا.
المرحلة الثانية: تركيز النازحين في منطقة محدودة مثل المواصي، تحت لافتة “منطقة إنسانية”، وبإدارة مشتركة مع جهات إقليمية (الإمارات نموذجًا).
المرحلة الثالثة: الدفع نحو ممرات أو ترتيبات إقليمية تؤدي إلى إخراج السكان خارج القطاع، نحو سيناء أو بلدان أخرى.
وتعكس هذه الخطوات جوهر ما يخشاه الفلسطينيون: أن تتحول “المناطق الإنسانية” إلى مناطق تجميع قسري، تفتقر إلى شروط الحياة الكريمة، وتُستخدم كوسيلة ضغط لإجبار الأهالي على الرحيل.
ويصف شهود عيان من داخل المواصي الوضع بأنه “كارثة إنسانية” تتفاقم كل يوم. فقد أُقيمت خيام بدائية بلا مياه كافية أو صرف صحي، فيما تُوزع المساعدات بشكل محدود لا يكفي لتلبية احتياجات النازحين.
وحذرت منظمات حقوقية دولية بدورها من أن تحويل المواصي إلى “منطقة إنسانية” تحت إدارة الاحتلال لا يغيّر من حقيقة أن ذلك يُعتبر نقلًا قسريًا للسكان، وهو جريمة حرب بموجب القانون الدولي.
وأكدت تلك المنظمات أن توفير الخدمات للمهجرين قسريا لا يشرعن التهجير، ولا يمنح الاحتلال حق إدارة حياة المدنيين بعد أن هدم بيوتهم وشردهم.
كما اعتبر ناشطون فلسطينيون أن التمويل الإماراتي لهذه المنطقة هو “مشاركة مباشرة في جريمة التهجير”، إذ يُستخدم المال لشراء صمت المجتمع الدولي وتقديم صورة مضللة عن الوضع.
التهجير بغطاء إنساني
لا يقف خطر “منطقة المواصي” عند حدود التهجير المادي فقط، بل يمتد إلى الحرب النفسية. فالاحتلال يحاول عبر هذه الخطوة إقناع العالم أن الفلسطينيين يعيشون في ظروف إنسانية “منظمة” بإشرافه، بينما الحقيقة أنهم محاصرون في مخيم ضخم بلا أفق للعودة.
إضافة إلى ذلك، تُستخدم الصور القادمة من المواصي في الإعلام الإسرائيلي والإماراتي على حد سواء لإظهار أن “الفلسطينيين يتدفقون طوعًا إلى المنطقة الإنسانية”، في محاولة لتبرير أن النزوح خيارهم، لا نتيجة قصف وتهجير قسري.
وعليه فإن إعلان جيش الاحتلال تحويل المواصي إلى “منطقة إنسانية” ليس خطوة إنسانية كما يُسوّق لها، بل هو عنوان جديد للنكبة المستمرة، يُدار هذه المرة برعاية إماراتية وبغطاء إنساني زائف.
والمواصي اليوم ليست سوى “سجن مركزي” يُحبس فيه الفلسطينيون بعد أن هُدمت بيوتهم وأُحرقت أحياؤهم فيما التمويل الإماراتي لهذه المنطقة يضيف بُعدًا سياسيًا خطيرًا، إذ يجعلها أداةً مزدوجة: خدمة للاحتلال من جهة، وتطبيعًا للتفريط بالحقوق الفلسطينية من جهة أخرى.
وبينما يحاول الاحتلال والإمارات تقديم المواصي كـ”حل إنساني”، يراها الفلسطينيون والمراقبون أنها مرحلة مفصلية في مشروع التهجير الجماعي، الذي يهدف إلى إفراغ غزة من سكانها وتحويل قضيتها إلى ملف إنساني بحت، بعيدًا عن جوهرها السياسي والتاريخي كقضية شعب يطالب بحريته وحقه في العودة.