التهجير القسري لا النزوح القسري: دقة المصطلح أساس المساءلة الجنائية

بقلم المحامي الدكتور عصام عابدين
النزوح القسري (Forced Displacement) مصطلح وصفي–إنساني يُستخدم في أدبيات القانون الإنساني الدولي وقرارات الأمم المتحدة للدلالة على حركة السكان قسراً من أماكن إقامتهم، سواء بشكل داخلي (النازحون داخلياً – Internally Displaced Persons) أو عبر الحدود (اللاجئون – Refugees). وهو مفهوم واسع يصف الظاهرة الإنسانية الناتجة عن النزاعات أو الكوارث أو السياسات القهرية، غير أنه لا يُرتّب طابعاً جنائياً مُحدداً يصلح للمساءلة الجنائية، بل يرتبط أساساً بالتزامات الحماية والإغاثة.
التهجير أو النقل القسري (Forcible Transfer/Deportation) مصطلح قانوني– جنائي محدد، ورد صراحة في المادتين (49) و (147) من اتفاقية جنيف الرابعة باعتباره فعلاً محظوراً وانتهاكاً جسيماً لأحكام الاتفاقية، وجريمة حرب بموجب البروتوكول الأول الخاص بالنزاعات الدولية المسلحة (مادة 85). كما نص عليه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) باعتباره جريمة ضد الإنسانية وفق المادة 7 فقرة (ا/د) عندما يُرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو سياسة ممنهجة تستهدف السكان المدنيين كما يجري حالياً في غزة، وجريمة حرب وفق المادة 8 فقرة (2/أ/7) عندما يتم النقل أو التهجير القسري للسكان من أماكن إقامتهم الشرعية بالقوة أو بالتهديد أو بخلق ظروف قسرية دون مبررات قانونية أو أسباب إنسانية مُلحّة.
أي المصطلحين أدق في سياق العدوان على غزة؟
الأدق والأنسب قانونياً هو اعتماد مصطلح التهجير القسري أو النقل القسري (Forcible Transfer/Deportation) لأنه يُرتب مسؤولية جنائية دولية مباشرة أمام المحكمة الجنائية الدولية والآليات القضائية ذات الصلة، بينما يَبقى مصطلح النزوح القسري (Forced Displacement) توصيفاً إنسانياً عاماً متداولاً في أدبيات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية.
إن اعتماد مصطلح التهجير القسري في التوثيق الحقوقي والتغطية الإعلامية يضمن الربط بين الانتهاك والمساءلة الجنائية، ويعكس بدقة الطبيعة الجُرمِية للأفعال المُرتكبة، والتي تُشكل جرائم دولية موصوفة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
فالدقة في اختيار المصطلح ليست تفصيلاً لغوياً، بل مدخل أساسي لضمان المساءلة عن ارتكاب جرائم دولية لا تسقط بالتقادم.