تحليلات واراء

وكلاء النفوذ الإسرائيلي في المنطقة بعد حرب غزة: أدوات الاختراق السردي

سلطت دراسة تحليلية الضوء على أنماط النفوذ الإسرائيلي في المنطقة العربية خلال حرب الإبادة الدولة الاحتلالية على غزة (2023–2025)، مع التركيز على مفهوم “الوكالة غير المباشرة” كأداة من أدوات القوة الناعمة و“الحرب الإدراكية”.

وركّزت الدراسة الصادرة عن الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع، على تحليل الخطابات الإعلامية والسياسية في الخليج العربي التي تبنّت روايات قريبة من المنظور الدولة الاحتلالي، سواء من خلال إلقاء اللوم على المقاومة الفلسطينية أو تطبيع فكرة الهزيمة باعتبارها قدرًا حتميًا.

وخلصت الدراسة إلى أن دولة الاحتلال تمكّنت من نقل المعركة من الميدان العسكري إلى ميدان الوعي، عبر وكلاء معرفيين وثقافيين يكرّسون الرواية الدولة الاحتلالية داخل الفضاء العربي.

إعلام دول التطبيع العربي

شهدت المنطقة العربية تحولات غير مسبوقة في طبيعة الخطاب حول القضية الفلسطينية. فبعد موجات التطبيع السياسي والاقتصادي، بدأت مرحلة جديدة يمكن وصفها بـ “التطبيع السردي”، حيث تسعى دولة الاحتلال إلى جعل روايتها الخاصة بالحرب والصراع مقبولة — بل ومعقولة — في الوعي العربي العام.

ويتحقق هذا عبر شبكة من الفاعلين الإعلاميين، والاقتصاديين، والمفكرين الذين يشاركون — بوعي أو من دون وعي — في تسهيل اختراق الوعي الجمعي العربي.

وتُسمّي هذه الورقة هؤلاء الفاعلين بـ”وكلاء الاحتلال الدولة الاحتلالي”، لا بوصفهم عملاء مباشرين، بل كفاعلين يسهمون في إعادة إنتاج السردية الدولة الاحتلالية بأدوات محلية.

ملامح الخطاب الوكيلي: تحميل اللوم وتثبيت الهزيمة الإدراكية

بعد انتهاء الحرب على غزة، لوحظ تحوّل نوعي في الخطاب الإعلامي العربي، خصوصًا في بعض المنصات الخليجية التي ركّزت على تحميل المقاومة الفلسطينية كامل المسؤولية عن الدمار.

يُستخدم هذا الخطاب لتثبيت رواية الهزيمة الشاملة، من خلال الإيحاء بأن حجم الخسائر هو نتيجة مباشرة “لتعنّت المقاومة” لا لعدوان الاحتلال.

ومن أنماط الخطاب السائد: “غزة دمّرت نفسها من أجل مغامرات سياسية.” “المقاومة سبب مآسي الناس.” “النتيجة واضحة: لا يمكن الانتصار على دولة الاحتلال.”

هذه العبارات – رغم بساطتها الظاهرية – تمثّل تحولًا خطيرًا في بنية السرد العربي، لأنها تُعيد صياغة العلاقة بين الضحية والجلاد، وتقدّم الاحتلال كمجرّد “واقع قاسٍ” لا يمكن تغييره.

الوظيفة الدعائية

تبرئة الاحتلال من جرائمه: تحويل الفعل العدواني إلى نتيجة طبيعية لسلوك المقاومة.

إضعاف شرعية المقاومة: عبر تجريدها من بعدها التحرري وتصويرها كعبء إنساني.

تثبيت الهزيمة الإدراكية: أي جعل الهزيمة المادية تتحول إلى قناعة فكرية بأن المقاومة عبث.

وبحسب دراسة الرابطة يُظهر هذا النمط أن دولة الاحتلال لم تعد بحاجة إلى تبرير ذاتها مباشرة، بل يكفيها أن يتبنّى العرب روايتها عنها.

فمن خلال خطاب “ما بعد الحرب”، نجحت في تحويل الصدمة الإنسانية إلى منصة لإعادة هندسة الموقف العربي، بحيث يُعاد تعريف البطولة كتهور، والمقاومة كعبء، والعدو كشريك محتمل.

وهنا تتجسد “الوكالة السردية” بأوضح صورها: الآخر ينطق بلسانك، لكن بمفاهيمه هو.

استراتيجيات المواجهة

إعادة بناء الوعي الإعلامي: عبر برامج تدريب للإعلاميين حول تفكيك الدعاية الدولة الاحتلالية ومصطلحاتها.

إحياء الخطاب الأخلاقي العربي: إبراز البعد الإنساني العادل للمقاومة بعيدًا عن المزايدات.

إطلاق منصات رصد سردي: توثّق وتحلل الخطاب التطبيعي في الإعلام العربي.

دعم الإنتاج الثقافي المقاوم: عبر أعمال فنية وأدبية تحافظ على مركزية فلسطين في الوجدان الجمعي.

تعزيز الدراسات النقدية: حول الحرب الإدراكية والتأثير النفسي في السياسة الإقليمية.

وتؤكد الدراسة أن معركة دولة الاحتلال الحقيقية لم تعد في حدود الجغرافيا، بل في عقول وضمائر المجتمعات العربية، وإن وكلاء النفوذ الدولة الاحتلالي اليوم ليسوا دائمًا سياسيين أو عسكريين، بل قد يكونون منتجين للخطاب والمعنى.

ومواجهة هذا الاختراق تتطلب وعيًا نقديًا، وبناء سردية عربية مضادة تُعيد تعريف القوة بوصفها ثباتًا على المبدأ، لا انبهارًا بالواقع المفروض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى