من داخل مركز التنسيق الأمريكي.. الإمارات توفر غطاءً عربياً لمشاريع تصفية فلسطين

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن ضباطًا رفيعي المستوى من دولة الإمارات العربية المتحدة يشاركون في مركز التنسيق الأمريكي بشأن غزة، الذي دُشّن حديثًا في مستوطنة كريات غات الإسرائيلية.
وتحدثت الصحيفة في تقرير لها عن مشهد غير مسبوق: عشرات الضباط الأمريكيين والإسرائيليين والعرب يعملون داخل مستوطنة قريبة من غزة لإعداد “رؤية مستقبلية للقطاع” حيث الكل حاضر على الطاولة—إلا صاحب الأرض نفسه، الفلسطيني.
وأبرزت الصحيفة أن هذا الغياب الصارخ للفلسطينيين في مركز التنسيق الأمريكي ليس مجرد خلل بروتوكولي، بل اختبار سياسي خطير لإعادة رسم مصير غزة بعيدًا عن أهلها، عبر هندسة أمنية وبيروقراطية تتجاهل أي حق طبيعي للفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
ولفتت إلى أن اللافت أكثر هو أن الإمارات — التي بات دورها الإقليمي مرتبطًا بشبكات أمنية وتنسيقات غامضة — حاضرة في هذا المركز، بما يتناقض مع خطابها العلني حول “دعم حقوق الشعب الفلسطيني”.
وأكدت الصحيفة أن وجود ممثلي الإمارات في منشأة تُدار من واشنطن وتل أبيب يجعلها شريكًا مباشرًا في صناعة مستقبل مفروض على غزة، ويمنح إسرائيل غطاءً عربيًا لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية.
مركز بلا فلسطينيين: هندسة احتلال بنكهة دولية
يعمل المركز، الواقع في مستوطنة كريات غات داخل منطقة صناعية “قذرة” كما وصفتها الصحيفة، كغرفة عمليات متقدمة تضم مئات الجنود الأمريكيين والإسرائيليين وضباط مخابرات عرب — من بينهم ممثلون عن الإمارات — إلى جانب دبلوماسيين من كندا وألمانيا وسنغافورة وغيرهم.
تُعرض على الشاشات الضخمة صور جوية لغزة، وتُجرى اجتماعات دورية حول “الحكم المدني” و”إعادة الإعمار” و”الاستخبارات” و”المساعدات الإنسانية”.
لكن ما يجري عمليًا هو إعادة إنتاج النموذج الأمريكي في العراق وأفغانستان، حيث تتشاور قوى أجنبية حول طريقة “إدارة” شعب محاصر، تحت إشراف عسكري مباشر، وبلا صوت للفلسطينيين.
ووجود الإمارات هنا ليس حضورًا تقنيًا فحسب، بل اصطفاف سياسي كامل مع مشروع دولي–إسرائيلي يهدف إلى فرض وصاية خارجية على القطاع.
الإمارات… بوابة عربية لخطة الوصاية الأجنبية
منذ سنوات، تستخدم أبو ظبي أدوات القوة الناعمة والأمنية للدخول في ملفات حساسة في الإقليم. لكن مشاركتها اليوم داخل مركز يُدار عسكريًا من واشنطن وتل أبيب تجعلها جزءًا من خطة لإعادة تشكيل غزة بما يتوافق مع التصورات الأمريكية والإسرائيلية، لا مع الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وتتجلى خطورة المشاركة الإماراتية في ثلاثة مستويات رئيسية: توفير غطاء عربي لفرض نموذج حكم غير فلسطيني ومنح شرعية عربية لعملية تتجاهل الفلسطينيين؛ المساهمة في إعادة إنتاج نظام السيطرة الإسرائيلية؛ وإضعاف الموقف العربي الجماعي بشأن القضية الفلسطينية.
ويفتح حضور الإمارات الباب أمام دول عربية أخرى لتطبيع فكرة أن مستقبل غزة يُقرّر في اجتماعات أمنية، وأن الفلسطينيين مجرد متلقّين لما تُقرّره القوى الخارجية، هو أخطر ما في المسألة — أي تطبيع تغييب الفلسطينيين.
من إعادة الإعمار إلى إعادة الهندسة: خطة تتجاوز المساعدات
يتحدث التقرير عن مسؤولين أمريكيين يناقشون كيفية “إعادة بناء غزة”، لكن الصور الجوية والخرائط والفرق الأمنية تشير إلى هندسة سياسية–أمنية كاملة لمرحلة ما بعد الحرب.
ويبرز التقرير أن وجود الإمارات في هذا الهيكل ليس محايدًا؛ إنه مشاركة في رسم مستقبل سياسي لا يستند إلى إرادة فلسطينية أو شرعية وطنية أو أطر تمثيلية حقيقية، بل يستند إلى تصور أمريكي–إسرائيلي لقطاع منزوع السيادة.
وتشدد الصحيفة على أنه حين تغيب فلسطين رسميًا عن غرفة اتخاذ القرار، ويجلس العرب على الطاولة بدلًا منها، فذلك ليس حيادًا أو وساطة بل انحياز كامل إلى مشروع دولي يخرج الفلسطينيين من معادلة تقرير مصيرهم، ويقدّم غزة بعد الحرب كملف يمكن تقاسمه وإدارته من الخارج.
وعليه تتحول الإمارات بصيغة تدريجية من دولة تدّعي دعم الفلسطينيين إلى دولة تشارك في صياغة مستقبلهم من داخل مستوطنة إسرائيلية، بما يخدم خططًا لتصفية قضيتهم.





