بروباغندا “شهداء فتح” بين التزوير السياسي وتبييض فشل القيادة

في مشهد يعكس أزمة الخطاب داخل حركة فتح، نشر أحد الموالين لقيادتها قائمة طويلة تضم عشرات الأسماء تحت عنوان “شهداء اللجنة المركزية لحركة فتح”، وكأن الحركة قدّمت عبر تاريخها القتالي موكبًا متواصلًا من القادة الذين اغتالهم الاحتلال الإسرائيلي لخطورتهم.
لكن نظرة بسيطة إلى القائمة تكشف حقيقة مختلفة تمامًا: من بين هذه الأسماء كلّها، لا يزيد عدد مَن اغتالهم الاحتلال عن أربعة فقط، هم كمال عدوان، محمد يوسف النجار، ماجد أبو شرار، وخليل الوزير (أبو جهاد).
أما أبو علي إياد، فالجميع يعرف أن قتله كان على يد النظام الأردني في أحداث أيلول، وليس على يد الاحتلال. والبقية؟ وفاة طبيعية، أو صراعات داخلية، أو حالات غامضة لم يجرؤ أحد على فتح ملفّها.
القائمة التي أرادت فتح ترويجها تحوّلت إلى فضيحة
المنشور الذي روّجه السحيج الفتحاوي لم يُظهر قوّة الحركة كما أراد، بل كشف العكس تمامًا:
العشرات من أعضاء اللجنة المركزية انتهت حياتهم أمراضًا، شيخوخة، أو صراعات داخلية.
عدد الذين اغتالهم الاحتلال — وهو معيار الفعل النضالي الحقيقي — ضئيل جدًا مقارنة بالحجم الدعائي الهائل الذي أرادت فتح تصديره.
ورغم أن حركة بحجم فتح لا تُقاس فقط بعدد شهداء قيادتها، إلا أن التزوير المقصود واضح: تحويل كل حالة وفاة طبيعية إلى “استشهاد”، وكل صراع داخلي إلى “عناقيد غضب ضد الاحتلال”.
فحركة فتح اليوم لم تعد قادرة على التمييز بين التاريخ الحقيقي والدعاية الرخيصة، ولا بين الشهادة والوفاة الطبيعية، ولا بين النضال الفعلي والجلوس في المكاتب والامتيازات.
حركة فتح ويكيبيديا
لدى مراجعة الحقائق كما هي، بعيدًا عن الدعاية الحزبية المفتعلة يظهر ما يلي:
كمال عدوان: اغتالته قوة كوماندوز إسرائيلية في بيروت عام 1973.
محمد يوسف النجار (أبو يوسف النجار): اغتيل في العملية نفسها.
ماجد أبو شرار: اغتيل في روما عام 1981.
خليل الوزير (أبو جهاد): اغتيل في تونس عام 1988 في واحدة من أجرأ عمليات الاغتيال الإسرائيلية.
خارج هذه الأسماء الأربعة، لا وجود لعمليات اغتيال إسرائيلية تجاه بقية أعضاء المركزية المدرجين في القائمة. ما ظهر هو تضخيم، تزييف، وتحويل التاريخ إلى مادة للدعاية الرخيصة.
واللافت أن القائمة تضم أسماء معروفة بأنها ماتت بسبب مرض، أو تناحر داخلي، أو صراع على النفوذ، أو عبر تصفية داخلية في بعض المراحل، فيما يتم تقديمهم في المنشور باعتبارهم “شهداء اللجنة المركزية لحركة فتح” وكأن الاحتلال كان يصطادهم واحدًا تلو الآخر.
والمؤسف أن تحويل أي وفاة إلى “استشهاد” لا يخدم الحقيقة ولا يخدم ذاكرة الشعب، بل يخدم فقط أولئك الذين يريدون تلميع صورة سلطة عاجزة فقدت أسباب وجودها.
فتح من نضال حقيقي إلى “قصص من ورق”
حركة فتح التي خرج من رحمها القادة الحقيقيون — بما فيهم أبو جهاد وأبو إياد وكمال عدوان — تحوّلت اليوم إلى حركة تستجدي الإنجاز عبر “بوستات” مزيفة.
فبدل أن تواجه القيادة الحالية أسئلة الشارع حول لماذا توقفت عمليات المقاومة الكبرى؟ ولماذا تحولت الحركة إلى جهاز إداري ثقيل؟ ثم لماذا يقتصر “النضال” اليوم على التنسيق الأمني؟ ولماذا يموت كوادرها في مكاتب الفنادق والقصور الفاخرة لا في ساحات الاشتباك؟.
وبحسب مراقبين فإن القائمة التي نُشرت ليست بريئة، بل تعكس أزمة سياسية داخل فتح ممثلة بأزمة قيادة تجدد لنفسها بلا انتخابات، وأزمة سردية تريد بناء “تاريخ بطولي” من العدم، إلى جانب أزمة هوية باتت الحركة فيها غير قادرة على إنتاج قادة ميدانيين حقيقيين كالجيل الأول.
وفي غياب الفعل النضالي، يصبح تزييف التاريخ هو البديل، وفي غياب الشهداء الحقيقيين، يصبح تكثير “قوائم الشهداء الورقية” ضرورة للتأثير على جمهور فقد ثقته منذ زمن.
ويؤكد المراقبون أنه إذا أرادت فتح أن تستعيد مكانتها، فطريقها ليس عبر تزوير الشهداء، بل عبر استعادة الدور: مقاومةً، محاسبةً، وفعلًا حقيقيًا… لا صورًا تذكارية.






