تحليلات واراء

النظام الأردني يتماهى مع خطط الاحتلال بالمطالبة بتسليم سلاح المقاومة

ذهب النظام الأردني الرسمي بعيدا في مواقفه المشينة منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة عبر مطالبته بتسليم سلاح المقاومة بما يشكل تماهى صارخ مع خطط الاحتلال ويدشن مرحلة توفير غطاء عربي لها.

ففي الساعات الأخيرة صرح أيمن الصفدي، وزير الخارجية الأردني، بأن الأردن “لن يرسل قوات إلى غزة”، لكنه مستعدّ لتدريب الشرطة الفلسطينية، مضيفًا أن “على حركة حماس يجب أن تسلّم سلاحها”.

ويبرز مراقبون أن مطالبة عمان بتسليم سلاح حماس والمقاومة الفلسطينية في هذه اللحظة بالذات لا يمكن أن تُقرأ بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي، في ظل أن دولة الاحتلال تُهيّئ الأرض لمرحلة ما بعد الحرب وضمان أن لا يعاد إنتاج قوة مقاومة قوية في القطاع.

وبحسب المراقبين فإنه عندما تُحمل دولة عربية — مثل الأردن — هذا الطلب، فإنها تضفي عليه غطاءً عربيًا يُستخدم لتسويق “خطة أمن واستقرار” يفرضها الاحتلال لاحقًا.

وهنا يكمن الخطر: هذا الموقف الرسمي لا يعبّر عن حرص على الشعب الفلسطيني، بل عن رغبة في احتواء المقاومة، وتطبيع سريع جدًا مع ما يمكن أن يُفرض لاحقًا على غزة من سياسات أمنية ربما تشمل إقامة سلطات محلية خاضعة، تحت مراقبة دولية أو إقليمية.

إضافة إلى ذلك، فإن تسليم السلاح غالبًا ما يرمز إلى خنق حق الدفاع والسعي لإلغاء القدرة الذاتية على المقاومة، ما يعني عمليًا قبول الهيمنة الإسرائيلية، وربما التصالح مع مشروع صفقة “تسوية” مبنية على انكسار الفلسطينيين.

تباين عميق بين الموقف الرسمي والشارع الأردني

بحسب استطلاع حديث نشره مركز بحثي، لا تزال أغلبية الأردنيين تدعم حركـة حماس، وحتى إن لم يؤمن الجميع بأن تكتيكاتها العسكرية كفيلة بهزيمة دولة الاحتلال، فإن تأييد كثير منهم يبقى مرتبطًا باعتبار المقاومة حقًا شرعيًا للدفاع عن الشعب الفلسطيني.

ويعني ذلك أن خطاب النظام الأردني الذي يطالب بتسليم السلاح يقع في صدام واضح مع رأي شعبي واسع، يرى أن السلاح يمثل ضمانة لكرامة الفلسطيني ودفاعًا عن الأرض.

كما يعكس ذلك انقسامًا بين الطبقة الحاكمة التي تبدو مستعدة لمشروعات السلام والاستقرار تحت مظلة دولية، وبين الشعب الأردني الذي يرى أن المقاومة هي الخيار الأخلاقي والعملي في مواجهة الاحتلال والغطرسة.

وعندما يطالب الأردن بتسليم سلاح المقاومة فهو يضع نفسه في مكان شريك في فرض الهيمنة الإسرائيلية واعتبار عمان ضمن المنظومة التي تُجهض حق الفلسطيني في المقاومة، وبالتالي تغييره من جهة داعمة للقضية إلى جهة “ضاغطة على المقاومة”.

كما يتورط الأردن علنا في فتح الباب لتدخلات دولية أو إقليمية داخل فلسطين تحت شعار “إعادة الأمن والاستقرار” وهو ما يخالف مبادئ السيادة والحقوق الوطنية الفلسطينية.

ويبرز هنا أن الدعوة إلى تسليم السلاح تُروَّج غالبًا تحت زعم “تنسيق إعادة الإعمار” أو “ضمان أمن المدنيين” أو “منع الفلتان”. لكن واقع التاريخ الفلسطيني يوضح أن الاحتلال لا يضمن أمن أحد في حال لم يعتد على التصالح مع حق مقاومة الاحتلال، وأن “الاستقرار” الحقيقي لا يُبنَى بتصفية المقاومة، بل بإنهاء الاحتلال ذاته.

وعندما يُطلب من الفلسطيني أن يسلم سلاحه مقابل أمل وهمي بـ “السلام الدائم”، فإن ذلك يعيد إنتاجات مؤلمة من خيانات وصفقات تنكر لدماء الشهداء وتضحيات الأجيال ويشكل خيانة للقضية الفلسطينية وتضحيات شعبها.

ويؤكد هذا التصريح العلني من الأردن حدة تماهى عمان مع أجندات دولة الاحتلال لتفكيك المقاومة وضمان أمنها الأبدي ويضع الأردن في صف من يسعى لفرض “استقرار” على فلسطينيين مقهورين بدل العمل على إنهاء الاحتلال وتمكين حق تقرير المصير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى