معالجات اخبارية

الديون الخارجية الخانقة تكشف فساد السلطة وإغراقها للاقتصاد الوطني

تكشف بيانات رسمية حديثة عمق الأزمة المالية التي ورّطت فيها حكومات السلطة الشعب الفلسطيني، بعد أن وصل حجم الديون الخارجية إلى نحو 4.47 مليار شيكل، أي ما يعادل 1.35 مليار دولار أميركي، وهو رقم صادم بالنظر إلى هشاشة الاقتصاد الفلسطيني وظروف الاحتلال والحصار وتراجع الإنتاج الوطني.

وتظهر الأرقام أن هذه الديون لم تكن ضرورة إنقاذية بقدر ما كانت نتيجة مباشرة لإدارة مالية مضطربة، وحكومات متعاقبة لم تُحاسب ولم تتحلّ بالشفافية.

ووفق البيانات الرسمية، بلغ الدين الخارجي قصير الأجل حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2025 نحو 1.22 مليار شيكل، فيما وصل الدين الخارجي طويل الأجل إلى 3.24 مليار شيكل خلال الفترة نفسها.

ويظهر ذلك أن السلطة لا تكتفي بترحيل أزماتها المالية عبر الاقتراض طويل الأجل، بل تستخدم القروض قصيرة الأجل أيضاً لسد فجوات عاجلة خلقتها سوء الإدارة والفساد وسوء التخطيط.

ويمثل هذا الرقم تراكمات مالية خطيرة على مدى سنوات طويلة، وهو نتيجة مباشرة لسياسات 19 حكومة تعاقبت على السلطة منذ تأسيسها.

واللافت أن الحكومتين الوحيدتين اللتين شكلتهما حركة حماس لم تقوما باستدانة أي مبالغ مالية، ما يعزز الاتهامات الموجهة إلى الحكومات الأخرى بأنها اعتمدت على الاقتراض كنهج دائم، رغم غياب أي تنمية اقتصادية حقيقية ناتجة عن هذه القروض.

السلطة الفلسطينية ويكيبيديا

تشير البيانات إلى أن المؤسسات المالية العربية هي أكبر الدائنين للسلطة الفلسطينية، بإجمالي 2.77 مليار شيكل. وتشمل هذه المؤسسات: صندوق الأقصى والبنك الإسلامي للتنمية والبنك الوطني القطري والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية

وقد قدمت هذه المؤسسات المذكورة قروضاً يفترض بها أن تدعم مشاريع تنموية أو بنى تحتية، لكن الواقع على الأرض يكشف أن السلطة لم تُحوّل هذه الأموال إلى مشاريع ذات تأثير ملموس، بل استُهلك جزء كبير منها في النفقات التشغيلية، والرواتب المتضخمة، وتثبيت شبكة الولاءات السياسية داخل أجهزة الحكومة ومؤسساتها.

أما الديون الخارجية للمؤسسات الدولية والإقليمية فبلغت حتى نهاية أبريل/نيسان 2024 نحو 1.1 مليار شيكل. وتشمل هذه المؤسسات: البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي والصندوق الدولي للتطوير الزراعي وبنك التعاون الإنمائي الألماني.

ورغم أن هذه القروض يفترض أن ترافقها شروط إصلاحية وبرامج رقابة على استخدامها، إلا أن نتائجها على الأرض كانت شبه معدومة.

فالمشاريع الزراعية لم تنهض، والبنى التحتية بقيت ضعيفة، والقطاع الخاص لم يشهد التطور الذي تروّج له السلطة منذ سنوات.

وقد بات واضحاً أن السلطة تستخدم هذه الأموال لسد العجز، وليس للاستثمار في التنمية، ما يجعل القروض عبئاً إضافياً بدلاً من أن تكون رافعة اقتصادية.

وتظهر بيانات وزارة المالية وجود قروض ثنائية من دولتين أوروبيتين: إسبانيا بقيمة 270 مليون شيكل وإيطاليا بقيمة 321 مليون شيكل بما يكشف جانباً آخر من السياسة المالية للسلطة بالاعتماد على علاقات خارجية لتمويل التزاماتها دون خطة واضحة لاستخدام هذه الأموال أو جدول زمني واضح لسدادها.

ويطرح مراقبون أسئلة جدية حول كيفية إنفاق هذه القروض، خصوصاً مع غياب أي تقارير شفافة حول المشاريع التي خُصصت لها أو النتائج التي تحققت منها.

19 حكومة… بلا محاسبة ولا شفافية

المشكلة الأعمق ليست في حجم الديون فقط، بل في أن 19 حكومة متعاقبة أسهمت في تضخيم هذا العبء دون محاسبة حقيقية.

ورغم التحذيرات المستمرة من خبراء الاقتصاد، وارتفاع الأصوات الشعبية ضد الفساد، ظلّ نهج السلطة قائماً على سياسة مالية قصيرة النظر تفتقر إلى الحوكمة والرقابة.

وسواء كان السبب فساداً مباشراً أو سوء إدارة كارثياً، فإن النتيجة واحدة: شعب فلسطيني مثقل بالديون، واقتصاد عاجز عن النمو، وسلطة تستهلك أموال القروض دون أن تقدم إنجازاً تنموياً محسوساً.

والأكثر خطورة أن نصف هذه القروض تقريباً يصنف كديون طويلة الأجل، ما يعني رهن مالية الأجيال القادمة بسياسات الحاضر المنفلتة من الرقابة، وسط تغييب تام لمحاسبة مسئولي ووزراء السلطة على فسادهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى