الأردن يسقط في وحل العار ويوفر لإسرائيل ملاذات وبدائل آمنة
على مدار نحو عام من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة وقتل أكثر من 41 ألف فلسطيني وفقدان 10 آلاف آخرين، كان الأردن يتابع السقوط في وحل العار.
إذ فضلا عن الامتناع عن اتخاذ إجراءات قوية وفاعلة للضغط على دولة الاحتلال دبلوماسيا أو سياسيا، ظهرت عمان تتطوع بشكل مفضوح في التوفير لإسرائيل ملاذات وبدائل آمنة.
ويكفي 30 دقيقة من متابعة تطبيق FLIGHTRADAR24 لتصاب بالذهول من حجم طائرات شركة العال الإسرائيلية التي تهبط في مطار الملكة علياء في عمان بعد توقف المطارات الإسرائيلية نتيجة ضربات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
قبل ذلك تطوع الأردن إلى توفير جسرا بريا للشاحنات المحملة بالبضائع، يمر بالأراضي الأردنية باتجاه دولة الاحتلال قادماً من الإمارات ودول أخرى، كبديل عن السفن الإسرائيلية والأجنبية التي فرضت جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن حظرا على مرورها عبر طريق مضيق باب المندب.
فضلا عن ذلك فإن الجيش الأردني شارك بفاعلية كبيرة في التصدي لأي صواريخ أو طائرات مسيرة تم إطلاقها باتجاه دولة الاحتلال سواء من إيران أو فصائل عراقية.
وهذا التواطؤ الأردني الرسمي في دعم “إسرائيل” يأتي في وقت نظم الأردنيون مئات الفعاليات المناهضة لمواقف حكومتهم، وتكرر خروج الأردنيين بشكل أسبوعي تقريبا في سلاسل بشرية عند الطريق الذي اعتبروا أنه “يمدّ الاحتلال بالبضائع”.
وقال أعضاء في “التجمع الشبابي الأردني لدعم المقاومة” إنه جرى استدعاء عدد من نشطائهم للجهات الأمنية، بغرض تحذيرهم من التركيز على موضوع “الجسر البري” فضلا عن اعتقال الكثير منهم حتى اليوم.
تصرف عبدالله المثير للجدل
لقد وضع الهجوم الإبادي الإسرائيلي على شعب غزة الملك عبد الله في معضلة ضخمة. وكان رد فعله حتى الآن هو التأرجح بين سياستين متناقضتين. ويبدو أن هذا التوازن الخطير بين السياستين يشكل استقراراً في الأردن.
الرد الأول والواضح هو رؤية ما يحدث في الضفة الغربية المحتلة تحت قيادة بن جفير باعتباره تهديدا وجوديا للمملكة.
إن تسليح المستوطنين، والهجمات المتكررة على القرى والبلدات الفلسطينية، والمداهمات لمجمع المسجد الأقصى، وأخيرًا تصريح بن جفير بأن الصلاة اليهودية مسموح بها في المسجد، ليس لها سوى غرض واحد: دفع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين إلى مغادرة منازلهم شرقًا.
إذ أن بن غفير يتعمد إذلال وصاية المملكة الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس.
وكان هذا هو الواجب الوحيد المعترف به دولياً والذي أصر والد عبد الله، الملك حسين، على الالتزام به عندما قطع كل الروابط القانونية والإدارية مع الضفة الغربية في يوليو/تموز 1988.
وقد أدى هذا إلى نشوء تيار قوي من الرأي في الديوان الملكي، والذي عبر عنه وزير الخارجية، وهو المنصب الذي يعكس تقليديا آراء الملك. ولم يتردد أيمن الصفدي في إطلاق ناقوس الخطر باستمرار.
وقال الصفدي إن أي تحرك إسرائيلي لتهجير الفلسطينيين في غزة قد يدفع المنطقة نحو هاوية الصراع الإقليمي.
وبعد أن جدد نظيره الإسرائيلي وزير الخارجية يسرائيل كاتس دعوته لبناء جدار على طول الحدود مع الأردن لمنع “التهريب” عبر الحدود، قال الصفدي: “لا يمكن للادعاءات الملفقة ولا الأكاذيب التي ينشرها المسؤولون الإسرائيليون المتطرفون، بما في ذلك تلك التي تستهدف الأردن، أن تخفي حقيقة أن عدوان (إسرائيل) على غزة وانتهاكاتها للقانون الدولي وانتهاكها لحقوق الشعب الفلسطيني هي أكبر تهديد لأمن واستقرار المنطقة”.
إلقاء اللوم على إيران
إن التيار المعاكس في الأردن يرى أن كل ما يحدث هو من عمل إيران. وهذه هي وجهة نظر جهاز المخابرات الأردني القوي، وهو منظمة واسعة النطاق لدرجة أنها تعمل كحكومة موازية.
وقد تلقى تدريبه على يد جهاز المخابرات البريطاني MI6، وهو مرتبط بأجهزة المخابرات الإسرائيلية والغربية والإمارات، أحدث أعضاء النادي.
وتعيش المخابرات الأردنية خوفاً دائماً من سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على السلطة، وتنظر إلى الشعبية الجامحة التي يتمتع بها الجناح العسكري لحركة حماس في شوارع الأردن منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول باعتبارها تهديداً وطنياً.
بالتالي، تبذل كل ما في وسعها لقمع الاحتجاجات الشعبية. ومؤخرا، وسعت السلطات الأردنية نطاق وتعريف الجريمة الإلكترونية لتشمل “نشر الأخبار الكاذبة”، و”إثارة الفتنة”، و”تهديد السلم المجتمعي”، و”ازدراء الأديان”، وهو سلاح يستخدم حصريا ضد المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين.
وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، تم اعتقال العشرات بموجب هذا الحكم
إن مثل هذه القوى لا تفعل سوى الاستفزاز. فقد أثارت قوات الأمن الأردنية موجة من الغضب عندما اعتدت على سارة الظاهر ووالدتها واعتقلتهما لمجرد رفعهما لافتة تشكك في الوصاية الهاشمية على الأقصى بعد مداهمات للمسجد قادها بن غفير.
المخابرات لا تخدم إلا سيدا أجنبيا يحتقرها، فيما تتظاهر (إسرائيل) بوضعية التفوق الطبيعي على حلفائها في العالم العربي، وتحرج بشكل غير ضروري داعميها السريين من خلال الكشف في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن معلومات تكشف عن المستوى الحقيقي للتعاون الاقتصادي والعسكري الجاري.
توريط الأردن بحرب إقليمية
تواصل (إسرائيل) إسقاط الأردن في هذه الحرب من خلال إصرارها على أن قواتها الجوية تتمتع بإمكانية الوصول إلى المجال الجوي الأردني في حالة وقوع هجوم بالصواريخ والطائرات بدون طيار من إيران.
وما إن نقلت القناة 12 عن مسؤول قوله إن الأردن سيسمح للطائرات الحربية الإسرائيلية باستخدام مجاله الجوي لإحباط الهجوم المتوقع من إيران، حتى اضطرت السلطات الأردنية إلى إصدار نفي ساخن ــ وفارغ ــ للادعاءات.
ونقلت قناة المملكة الأردنية الهاشمية عن مصدر مطلع قوله إن المملكة لن تسمح باستخدام أجوائها “تحت أي ظرف لأي طرف، ولن تسمح برد عسكري لأي طرف معادي في الوقت الراهن”.
فأي من العبارتين يصدقه الأردنيون؟ العبارة الإسرائيلية بالطبع، لأن الجميع يعلم أن الأردن لا يملك القدرة على منع (إسرائيل) أو الولايات المتحدة من استخدام مجاله الجوي.
مثل هذه الحوادث تضعف الملك وتجعل الحياة صعبة للغاية بالنسبة لأولئك في الأردن الذين يريدون الاستمرار في التعاون مع (إسرائيل) تحت الطاولة.
إذ تعمل إسرائيل على زيادة الطين بلة في كل فرصة سانحة، رغم أن من مصلحة تل أبيب أن تلتزم الصمت.