تحليلات واراء

بين حرب غزة وضغوط أوروبا… السلطة تتدخل لتخفيف عزلة إسرائيل الدبلوماسية

في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على غزة، وفي وقت تتصاعد فيه الأصوات الأوروبية المطالبة بفرض إجراءات عقابية على تل أبيب، تخرج السلطة الفلسطينية بخطوة وُصفت بأنها مثيرة للجدل بل ومريبة لتخفيف عزلة تل أبيب.

إذ ستشارك وزيرة الخارجية والمغتربين في السلطة فارسين اغابكيان شاهين، في مأدبة عشاء مع نظيرها الإسرائيلي جدعون ساعر، اليوم الاثنين في بروكسل، على هامش اجتماع وزاري بين الاتحاد الأوروبي ودول الجوار الجنوبي.

ورغم أن السياق المعلن للقاء يدور حول تعزيز التعاون الإقليمي، إلا أن التوقيت وطبيعة الحضور أثارا انتقادات حادة. فكيف يمكن لمسؤولة فلسطينية أن تجلس إلى الطاولة مع وزير في حكومة إسرائيلية ترتكب جرائم حرب مروعة، بينما يُقتل آلاف الفلسطينيين في غزة وتواجه دولة الاحتلال موجة غير مسبوقة من التنديد الدولي؟

لقاء في التوقيت الخطأ؟

يقول مسؤول فلسطيني ليورونيوز إن السلطة تريد “التحدث عن نفسها” وإيصال رسالة للأوروبيين حول الأزمة الإنسانية في غزة، وحثهم على اتخاذ إجراءات ضد دولة الاحتلال.

غير أن مراقبين يرون في الخطوة تناقضاً صارخاً، بل يرونها تدخلاً مباشراً لتخفيف الضغط الدبلوماسي على دولة الاحتلال، عبر إظهار أن السلطة لا تزال منفتحة على الحوار، وأن ثمة “شريك فلسطيني” في المفاوضات رغم المجازر المستمرة في القطاع.

يذهب محلل سياسي فلسطيني إلى القول إن: “وجود وزيرة فلسطينية على مائدة واحدة مع وزير إسرائيلي الآن هو بمثابة صك براءة لإسرائيل، أو على الأقل ورقة تستخدمها تل أبيب لتقول للأوروبيين: انظروا، الفلسطينيون مستعدون للحوار، فلا داعي للعقوبات أو الإجراءات القاسية ضدنا”.

الاتحاد الأوروبي بين الضغوط والحسابات السياسية

يأتي اللقاء في وقت بالغ الحساسية. فقد أعلنت كايا كالاس، رئيسة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، أنها توصلت لاتفاق مع دولة الاحتلال لزيادة كميات المساعدات إلى غزة.

لكنها في الوقت نفسه تركت الباب مفتوحاً أمام مناقشة خيارات الرد على الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، مشيرة إلى أن اتخاذ تدابير عقابية سيكون مطروحاً إذا لم يتحسن الوضع في القطاع.

وتشير مصادر دبلوماسية أوروبية إلى أن الاتحاد الأوروبي ناقش بالفعل عشرة خيارات، منها تعليق اتفاقية الشراكة التجارية مع إسرائيل أو وقف مشاركتها في برامج أكاديمية مثل إيراسموس+ وهورايزون.

لكن هذه القرارات الكبرى تتطلب إما إجماع الدول السبع والعشرين، أو على الأقل أغلبية مؤهلة، وهو ما لا يبدو متوفراً حتى الآن.

الملفت أن آخر اجتماع مماثل بين الاتحاد الأوروبي ودولة الاحتلال عقد في فبراير/شباط الماضي، أعقبه لقاء آخر بين المسؤولين الأوروبيين ورئيس حكومة السلطة محمد مصطفى، ما يعكس سعي بروكسل للحفاظ على خطوط اتصال مع الطرفين.

لكن هذه الاجتماعات لم تُفضِ إلى مواقف عملية توقف العدوان الإسرائيلي أو تفرض عقوبات جدية.

تبييض صورة الاحتلال

توجه انتقادات واسعة إلى السلطة الفلسطينية بسبب توقيت اللقاء. يرى معلقون أن مجرد الظهور في مناسبة دبلوماسية مع دولة الاحتلال، في أوج حرب تُرتكب فيها مجازر جماعية، يُسهم عملياً في تبييض صورة تل أبيب، ويخفف من عزلتها الدبلوماسية التي باتت أوسع من أي وقت مضى منذ عقود.

يقول محلل أوروبي إن دولة الاحتلال تواجه غضباً أوروبياً حقيقياً، حتى لو كان حتى الآن مجرد غضب لفظي. لكن مشاركة السلطة الفلسطينية في مثل هذه اللقاءات تمنح الأوروبيين مبرراً للتراجع عن خطوات أقسى، إذ يستطيعون القول إن الفلسطينيين لا يغلقون باب الحوار.

وهنا يكمن المأزق: السلطة الفلسطينية تريد إيصال صوتها للأوروبيين، لكن الثمن قد يكون باهظاً على المستوى الشعبي، إذ ترى قطاعات واسعة من الفلسطينيين أن مثل هذه الخطوات لا تعبّر عنهم ولا عن معاناتهم اليومية تحت القصف والحصار.

ازدواجية الخطاب الفلسطيني؟

اللافت أن السلطة، وفي الوقت الذي تنتقد فيه العدوان الإسرائيلي، تواصل حضور اجتماعات إقليمية ودولية إلى جانب ممثلين إسرائيليين، وكأن شيئاً لم يكن.

يقول ناشط فلسطيني “من يوم ما بدأت حرب غزة، لم يعد مقبولاً لأي مسؤول فلسطيني أن يجلس مع إسرائيلي على طاولة واحدة. هذا يعطي انطباعاً بأن السلطة شريك في تلميع صورة دولة الاحتلال”.

في الوقت ذاته يدرك مسؤولو السلطة أن نفوذهم محدود، خاصة أن دولة الاحتلال تتحكم بمعظم التفاصيل الميدانية والسياسية، من المعابر إلى المياه إلى الكهرباء. إلا أن ظهورهم في مناسبات دبلوماسية مشتركة مع إسرائيل، خصوصاً في ذروة الحرب، يعطي إشارات سياسية خاطئة تُستغل من قبل تل أبيب لتخفيف الضغط الدولي.

وهنا يبرز السؤال الأهم: أي رواية يمكن للسلطة أن تُقدّم، بينما تُتهم بأنها عاجزة عن وقف القتل في غزة أو حتى حماية شعبها في الضفة الغربية من الاستيطان والهجمات اليومية؟.

حتى الآن، يبدو أن اللقاء المرتقب في بروكسل سيبقى خطوة رمزية أكثر من كونه قادراً على تغيير المعادلة. غير أنه في نظر كثيرين، يعكس واقعاً خطيراً: السلطة الفلسطينية باتت –عن قصد أو دون قصد– طرفاً يُستخدم لتهدئة الغضب الأوروبي وإظهار أن الأبواب لا تزال مفتوحة مع دولة الاحتلال، في وقت يستمر فيه شلال الدم في غزة دون توقف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى