تحليلات واراء

مسار السلطة نحو الانهيار… حين تصبح القيادة أداة في مشروع تصفية القضية

تتصاعد التحذيرات داخل الساحة الفلسطينية حول خطورة مسار السلطة في رام الله في تعاملها مع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المعدّلة وقرار مجلس الأمن 2803 المتعلق بترتيبات ما بعد الحرب في غزة وتحولها إلى أداة في مشروع تصفية القضية.

وأبرزت الكاتبة السياسية لميس أندوني، أن السلطة تبني “ثقة سياسية” على مسار لا يملك أي تفويض شعبي أو وطني وذلك في ظل سياق سياسي يزداد تعقيدًا، وانحياز دولي وإقليمي واسع للصيغة الأمريكية–الإسرائيلية التي تعيد رسم موقع السلطة ودورها.

وتشير أندوني إلى أن التعاطي مع خطة أمريكية صممت أصلًا لتعويض إسرائيل سياسيًا عن فشلها العسكري، ومع قرار أممي مطعون فيه من حيث التأثير والآليات، لا يعكس رؤية وطنية بقدر ما يعكس استعداد السلطة للتكيف مع الضغوط الخارجية مقابل وعود لم تُحترم منذ ثلاثة عقود.

ووفق للكاتبة السياسية، فإن هذه الثقة ليست تفويضًا، بل امتحان جديد يراد من خلاله التأكد من قدرة السلطة على لعب دور “حارس بوابة” لمنع المقاومة من إعادة بناء نفسها، وتمرير “إصلاحات” خطيرة تستهدف جوهر الوعي الفلسطيني من المناهج التعليمية التي يجري الضغط لتعديلها، إلى الرواية التاريخية التي يحاول المشروع الأمريكي–الإسرائيلي إعادة صياغتها.

استخدام السلطة كأداة… لا كشريك سياسي

أخطر ما تشير إليه الكاتبة هو أن المشروع الأمريكي–الإسرائيلي لا يرى في السلطة “شريكًا” بل “أداة”. فالسلطة وفق هذا التصور، ليست سوى ذراع وظيفي يُستدعى عند الحاجة لضبط الوضع الأمني أو توفير غطاء سياسي مؤقت لأي ترتيبات ترغب بها واشنطن وتل أبيب.

ويظهر ذلك جليًا في إنكار الاحتلال لأي دور حقيقي للسلطة في غزة. فبينما تطرح الولايات المتحدة ترتيبات انتقالية قد تشمل السلطة شكليًا، يواصل الاحتلال على الأرض تكريس الضم في الضفة عبر التوسع الاستيطاني وتعزيز الإدارة العسكرية بدلًا من أي صيغة تفاوضية إلى جانب رفض عودة السلطة إلى غزة إلا ضمن صيغة أمنية تخدم مصالحه.

ويكشف هذا الواقع عن مفارقة خطيرة تتعلق بأن السلطة تتعامل مع قرارات دولية باعتبارها مكسبًا سياسيًا، بينما تنظر دولة الاحتلال الإسرائيلي إليها كغطاء لتنفيذ مشروعها أحادي الجانب.

وتؤكد أندوني أن تمسك المجتمع الدولي ببقاء السلطة لا ينبع من احترامها أو من قناعة بقدرتها على قيادة الشعب الفلسطيني، بل من خوف عميق من الفراغ السياسي الذي قد يخلقه انهيارها.

بمعنى آخر: تمسك العالم بالسلطة هو تمسك بـ بنية إدارية وأمنية تحمي مصالحه، لا تمسكًا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره أو بناء مؤسسات حقيقية.

وهذا التقييم يعكس ما يقوله كثير من الخبراء حيث السلطة أصبحت بالنسبة للقوى الدولية جهازًا ضروريًا لضبط السلوك الفلسطيني، أكثر منها كيانًا يمثل تطلعات الشعب.

أزمة داخلية تتجاوز السياسة… خوف من الشعب نفسه

تبرز أندوني طبيعة الخوف الذي يسيطر على القيادة الفلسطينية، كونها لا تخشى الضغوط الخارجية بقدر ما تخشى المؤتمرات الداخلية، أي الحراك الشعبي أو التنظيمي الذي قد يسائلها أو يفكّك شرعيتها أو يحاسبها على تراكمات الفشل.

وهذا يعني عمليًا أن السلطة باتت في حالة تصادم مع عمقها الشعبي. فبدل أن تخشى الاحتلال الذي يضيّق عليها ويقضم الأرض يوميًا، باتت تخشى الشعب الذي يفترض أنها تمثله. وهوا ما يشكّل مؤشرًا خطيرًا على أن الهوة بين السلطة وشعبها تحولت إلى انفصال بنيوي كامل.

وتشير أندوني إلى أن السلطة تتجه لإدارة سياسية تقصي الإجماع الوطني لصالح مشاريع دولية تهدد جوهر القضية. بمعنى أوضح: بدلاً من أن تكون السلطة إطارًا نضاليًا أو سياسيًا يوحّد الشعب، أصبحت قوة بيروقراطية مُحاطة بالأجهزة الأمنية، تدير الواقع الفلسطيني وفق منطق “التأقلم” لا وفق منطق “المواجهة”.

وتظهر هذه الصورة في عدة مظاهر أبرزها غياب البرنامج الوطني المشترك وتذويب منظمة التحرير وتحويلها إلى مؤسسة شكلية والأهم استبعاد المقاومة كجزء من النظام السياسي رغم صمودها وتضحياتها.

ويكشف كل ذلك أن القضية الفلسطينية اليوم أمام لحظة مفصلية. فالسلطة التي كان يُفترض أن تكون “مرحلة انتقالية” نحو التحرر، تحولت إلى كيان يسير في مسار يعيد إنتاج الهزيمة ويُسهم – بقصد أو دون قصد – في تمرير مشاريع تصفوية تستهدف الأرض والوعي معًا.

كما يؤكد أن انفصال السلطة عن شعبها لم يعد توصيفًا سياسيًا، بل حقيقة تتجلى في خطاب رسمي يتجاهل نبض الشارع ومسار تفاوضي يقفز فوق الحقوق الأساسية وحرص شديد على إرضاء الضغوط الخارجية فضلا عن تهميش لأي قوى وطنية لها امتداد شعبي.

ومع استمرار هذا النهج، يبدو أن السلطة تخسر تدريجيًا آخر ما تبقى لها من شرعية، بينما تزداد القناعة الشعبية بأن مواجهة المشروع الأمريكي–الإسرائيلي لن تتم عبر مؤسسات منهكة فاقدة للبوصلة، بل عبر قوة الشعب ومقاومته، وعودة القرار الوطني إلى مكانه الطبيعي: إرادة الفلسطينيين أنفسهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى