تحليلات واراء

السلطة الفلسطينية تحلم بإعادة إنتاج نموذج “شرطة دايتون” في غزة

يثير الإعلان عن تدريب 5 آلاف عنصر أمن من السلطة الفلسطينية في مصر استعدادًا لنشرهم في قطاع غزة أسئلة عميقة، ليست فقط حول قدرة السلطة على دخول القطاع بعد حرب مدمّرة، بل حول طبيعة المشروع الحقيقي الذي يجري هندسته خلف الكواليس.

ويحذر الكاتب السياسي حسين لقرع، من أن ما يُحضّر في غرف مغلقة يشبه إلى حد بعيد إعادة إنتاج “شرطة دايتون”، القوة الأمنية التي أنشأتها الولايات المتحدة بعد اتفاق أوسلو، والتي مثّلت لعقود عنوانًا للتنسيق الأمني في الضفة الغربية، وبنيةً أمنية صُممت وظيفيًا لحماية أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي أولًا وأخيرًا.

وبحسب لقرع، فإن النموذج ذاته يُعاد تجهيزه، لكن بنسخة أكثر تصلّبًا، وتجهيزًا، ورعايةً دولية، بهدف نشره في غزة بعد حرب الإبادة الإسرائيلية، ما يثير تساؤلات عن محاولة جديدة لصياغة سلطة أمنية بلا سيادة، وظيفتها الأساسية التعامل مع المقاومة باعتبارها “عدوًا داخليًا”؟.

واللافت – كما يشير لقرع – ليس فقط موعد إطلاق هذه الخطة، بل طبيعة التدريب نفسه. فالمواد التدريبية التي تُدرّس للعناصر في مصر تتناول “تبعات هجوم 7 أكتوبر”، أي أنها تضع مركز الثقل في زاوية واحدة: كيفية مواجهة المقاومة والحد من قدرتها على إعادة بناء قوتها العسكرية.

بكلمات أخرى، لا يجري تدريب عناصر أمن لحفظ النظام داخل مجتمع محطم ومكلوم، بل تدريب “جهاز وظيفي” مطلوب منه مواجهة طرف محدد: فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس والجهاد الإسلامي.

ويلاحظ هنا أن هذه المقاربة هي ذاتها التي تبناها الجنرال الأمريكي كيث دايتون عند تأسيس أجهزة الأمن الفلسطينية الجديدة بعد 2007، حين قال في أحد خطاباته الشهيرة إن قوات الأمن الفلسطينية “أصبحت مختلفة جذريًا… لأنها تحارب الإرهابيين الذين يهددون أمن (إسرائيل)”.

اليوم، تبدو واشنطن وتل أبيب والإدارة الحالية للسلطة الفلسطينية ماضية في إعادة تدوير هذا النموذج بنسخة قطاع غزة.

تكريس نهج التنسيق الأمني

يشير لقرع إلى مشاركة شخصيات من السلطة الفلسطينية معروفة بقربها من ملف التنسيق الأمني في ترتيبات الخطة، وهو عنصر أساسي ينسف الادعاءات بأن الأمر له علاقة بـ“المصالحة”.

فالسلطة التي فشلت في تحقيقُ توافق وطني منذ 17 عاماً، لا يمكن أن تأتي إلى غزة بصفة “شريك وطني”. لكن يمكن – وفقاً للرؤية الأمريكية – أن تأتي بصفتها “وكيل أمني” قادر على تنفيذ ما تعجز إسرائيل عن تنفيذه مباشرة بعد الحرب.

وفي هذا السياق، يصبح تكرار السلطة لعبارات مثل “استعادة الشرعية” أو “حماية المشروع الوطني” مجرد غطاء سياسي لتسويق خطة أمنية ولدت في مكاتب أمريكية وإسرائيلية، بينما الوظيفة المركزية لها هي نزع سلاح المقاومة وإعادة بناء جهاز أمني شبيه تمامًا بذلك الموجود في الضفة الغربية، حيث يتم اعتقال المئات سنويًا على خلفية مقاومة الاحتلال.

ويرى لقرع أن جوهر المشروع مرتبط بفكرة “الضبط الأمني” الذي تطرحه واشنطن وتل أبيب منذ سنوات، والذي هدفه إعادة غزة إلى معادلة سياسية وأمنية تقوم على نزع السلاح أو عزله أو تفكيكه تدريجيًا، بحيث تصبح المقاومة مجرد “ظاهرة فوضوية” يجري التحكم بها لاحقًا.

ولكي ينجح هذا المشروع، تُدفع السلطة الفلسطينية إلى قبول دور جديد يقوم على دور “الذراع الأمنية” التي تدخل إلى غزة تحت غطاء عربي ودولي، وتتسلم مناطق معينة “منزوعة السلاح”، على أن تبدأ لاحقًا بفرض نموذج الضفة الغربية في القطاع.

وهذا ما تخشاه فصائل المقاومة، وما يخشاه المجتمع الغزّي الذي يدرك أن نشر “شرطة دايتون” جديدة يعني إعادة احتلال غزة ولكن بأيدٍ فلسطينية، وتحت راية “شرعية دولية”.

وفي الوقت الذي تحلم فيه السلطة بالعودة عبر بوابة “القوة الأمنية”، تبدو غزة مستعدة لصد أي محاولة لفرض نسخة جديدة من شرطة دايتون، إدراكًا منها أن الاحتلال لا يغيّر أدواته… بل يغيّر الوجوه فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى