السلطة تتآكل والاستيطان يتمدد دون أي رادع في الضفة

تكشف التسريبات والتحقيقات الإسرائيلية الأخيرة عن موجة غير مسبوقة من التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية خلال السنوات الثلاث الماضية، توصف داخل الإعلام العبري نفسه بأنها تحولات تاريخية تعيد رسم الجغرافيا بالقوة.
وفي مقابل هذا التغيير العميق على الأرض، يظهر غياب كامل لدور السلطة الفلسطينية، سواء في المتابعة أو المواجهة أو حتى معرفة حجم ما يجري.
فبينما تتحدث الوثائق الإسرائيلية عن انتشار مئات البؤر والنقاط الاستيطانية الجديدة، اكتفت السلطة بمطالبة المجتمع الدولي بالتدخل بشأن إعلان الاحتلال بناء 17 مستوطنة جديدة.
وعلّق الكاتب السياسي ياسين عز الدين على هذا القصور:”صح النوم للسلطة اللي لليوم ما كانت عارفة أنه فيه عشرات المستوطنات الجديدة (مش بس 17)، السلطة لا يهمها إلا ما يدور داخل أروقة المقاطعة، أما خارجها وخارج المنطقة أ فهو ليس من اختصاصها ولا اهتمامها.”
وهذا الانتقاد يتسق مع حقيقة أن السلطة اكتفت بمطالبة المجتمع الدولي بالتدخل، رغم أن الوقائع التي تكشفها وسائل الإعلام العبرية تشير إلى عملية ممنهجة تمتد على مساحة تقارب مليون دونم، أُقيمت عليها نحو 140 نقطة استيطانية جديدة—أي أربعة أضعاف ما كانت تسيطر عليه المستوطنات سابقاً.
الاستيطان في الضفة
وتوضح الوثائق أن العملية تجري وفق خطة أعدها وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش، عبر تحويل مساحات واسعة إلى ما يسمى “أراضي دولة”، ثم تسليمها للمستوطنين لإقامة نقاط رعوية تتحول لاحقاً إلى بؤر ثابتة.
وفي حالات لافتة، يسيطر مستوطن واحد على عشرات آلاف الدونمات دون أي قرار حكومي معلن.
ورغم التحذيرات الصادرة عن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نفسها من تصاعد العنف الذي تمارسه مجموعات المستوطنين، استمرت الحكومة في توسيع المشروع بقيادة حزب “الصهيونية الدينية”، من دون أي رقابة أو اعتراض داخلي.
وفي سياق متصل، كشفت القناة السابعة العبرية عن المصادقة على 764 وحدة استيطانية جديدة، ضمن إجمالي بلغ 51 ألف وحدة تمت الموافقة عليها منذ تولي سموتريتش منصبه—وهو الرقم الأعلى منذ عام 1967.
غياب السلطة
ويتزامن هذا التمدد الاستيطاني مع أزمة وجودية تواجه السلطة الفلسطينية، إذ اتفق الكاتب أحمد عبد الحليم وعدد من الباحثين والمحللين على أن أحداث حرب غزة كشفت هشاشة بنيتها وتآكل شرعيتها.
وبحسب تحليله، فإن الأزمة لم تعد سياسية فقط، بل تحمل ملامح فشل نظامي يهدد البنية التي تأسست منذ عام 1993، وسط غياب استجابة وطنية موحدة واتساع الفجوة بين السلطة والإرادة الشعبية.
ويشير عبد الحليم إلى أن تراجع السلطة بدأ مع انكشاف محدودية مشروع أوسلو الذي جرى تحت التفوق الإسرائيلي، وتحول دور السلطة تدريجياً من مشروع تحرر وطني إلى إدارة تعمل تحت الاحتلال دون قدرة فعلية على حماية الأرض أو تشكيل مسار سياسي مستقل.
ويتزامن ذلك مع سعي الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى تقويض السلطة عملياً عبر الضم الفعلي لمناطق واسعة من الضفة، ورفض أي دور لها في غزة، وهو ما يجعل إمكانية وجود قيادة فلسطينية موحدة أكثر استبعاداً من أي وقت مضى.
كما يضيف الكاتب أن الأزمة المالية الخانقة—التي تفاقمت بعد الاقتطاعات الإسرائيلية عقب السابع من أكتوبر—تعمّق هذا الانهيار، إذ سجّل عجز عام 2024 ما يقارب 1.86 مليار دولار وفق تقديرات البنك الدولي، في مؤشر على اقتراب السلطة من حالة “فشل جهازي” يصعب تداركها.
ويتزامن ذلك مع تراجع شرعيتها الشعبية، حيث تظهر استطلاعات واسعة مطالبات كبيرة برحيل القيادة الحالية، مقابل صعود شرعية المقاومة المحلية، التي تعكسها مجموعات مثل “كتيبة جنين” و”عرين الأسود” في ظل تآكل السيطرة الأمنية الرسمية واستمرار اقتحامات الاحتلال وتصاعد عنف المستوطنين.





