تحليلات واراء

تحت شعار “السلام”.. الإمارات بوابة أمامية لدخول الصناعات العسكرية الإسرائيلية إلى الخليج

أقدمت دولة الإمارات على خطوةٍ من شأنها إعادة رسم موازين الأمن الرقمي والعسكري في الخليج، حين سُجّلت شركة إسرائيلية متخصصة في التقنيات البصرية للمراقبة والاستخبارات، فتح فرع رسمي لها داخل “سوق أبوظبي العالمي”.

وبحسب مراقبين فإن هذا الإعلان غير المسبوق ليس مجرّد توسيع تجاري؛ بل يمثل لحظة مفصلية تُترجم تطبيع العلاقات السياسية إلى اختراق أمني عميق في بنية المنطقة.

وتظهر الوثائق والتسريبات التي خرجت إلى العلن، أن تأسيس الفرع لم يكن عملية تجارية بحتة، بل تمت بتنسيق أمني رسمي مع جهات في الدولة المضيفة، وصُمّم شكل التأسيس لتفادي قيود الملكية الأجنبية التقليدية.

ويثير هذا الخِيط القانوني المُهندَس تساؤلات حول نوايا الجهات المعنية: هل نحن أمام شراكة استثمارية عادية أم أمام ترتيب يتيح لشركةٍ ذات أصول استخباراتية أن تُحكم نفوذها داخل منظومة الأمن المحلي والإقليمي؟.

وكشف تسريبات متطابقة أن تأسيس فرع الشركة الإسرائيلية في أبو ظبي تم بالتنسيق الكامل مع الأجهزة الأمنية الإماراتية، وأنه سيتولى دعم أنظمة المراقبة البرية والجوية التي تستخدمها عدة دول خليجية.

وحسب التسريبات فإن الهدف دمج التكنولوجيا الأمنية الإسرائيلية في العمليات المحلية والإقليمية من اليمن إلى ليبيا والسودان، وتثبيت نموذج أمني يستند إلى الردع والتجسس لا إلى السيادة الوطنية.

ووسط انتقادات دولية متزايدة، اختارت الإمارات أن تتجاوز الغضب الشعبي العربي وتُدخل دولة الاحتلال إلى عمق مؤسساتها الأمنية، تحت عباءة “الاستثمار والتعاون”. وقد تم تصميم الفرع الجديد لتفادي قيود الملكية الأجنبية، مما يكشف عن نية مبيتة لتطويع القوانين السيادية لصالح المشروع الأمني الإسرائيلي.

الأهم أن هذا الحضور الإسرائيلي لا يقتصر على الجانب التقني، بل يهدف لإعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، وتكريس الإمارات كوكيل أمني لإسرائيل في الخليج، مقابل غض الطرف عن انتهاكاتها في فلسطين وغزة.

هكذا تُستخدم اتفاقات التطبيع، ليس كجسور للسلام، بل كبوابات للتجسس وبناء بنى تحتية عسكرية تستهدف استقرار الشعوب لا أمنها.

التطبيع الإماراتي الإسرائيلي ويكيبيديا

لا شك أن إدخال تكنولوجيا مراقبة متقدمة إلى شبكات أرضية وجوية تخدم عدّة دول خليجية. فالتوصيف العملي لا يقتصر على كاميرات أو أجهزة استشعار؛ بل يمتد إلى منصات تحليل البيانات، وربطها بقواعد معلومات استخباراتية، وإمكانية التدخّل في أنظمة تحكّم ومراقبة حدودية وحركية.

بمعنى أوضح، تتحول الإمارات هنا إلى بوابة أمامية لإدماج تكنولوجيا استخباراتية إسرائيلية في عمليات إقليمية — من اليمن إلى ليبيا وحتى السودان — بما يغيّر قواعد الاشتباك الأمني في المنطقة.

هذا المسار الاستراتيجي يطرح ثلاث مسائل مركزية على طاولة النقاش العام: الأوّل سياسي؛ حيث تتجاوز الدولة غضب الشارع العربي والالتزامات الأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية تحت شعار الاستثمار و”السلام”.

والخيار السياسي هنا يحمل رسالة واضحة: المصالح الأمنية والاستراتيجية قادرة على توقيف الحسابات الأخلاقية، وأن تطبيع العلاقات يمكن أن يصبح آلية لتمرير مشاريع أمنية متقدمة.

المسألة الثانية قانونية؛ فالفرع المصري البُنيوي للشركة صُمّم بطريقة تلتف على قيود الملكية الأجنبية، ما يفتح الباب أمام سؤال فني وجوهري: هل تُستخدم مرونة القوانين كممرّ لتقويض سيادة القرار الأمني الوطني؟ تحويل أداة تشريعية إلى استثناء يسمح بتمرير تكنولوجيا ذات حساسية أمنية يكشف عن نيةٍ لإذابة الحدود القانونية بين الاستثمار والقدرات الاستخبارية الأجنبية.

المسألة الثالثة استراتيجية وعملية؛ إدماج أدوات المراقبة والاستخبارات الأجنبية في أنظمة دول الخليج يُعيد تشكيل خريطة النفوذ والاستخدام: من يرسم سيناريوهات التشغيل؟ من يتحكّم في قواعد الاشتغال؟ وهل هناك ضمانات تمنع تحويل هذه البنى التحتية إلى أدوات تأثير سياسي مضاد أو تصفية حسابات إقليمية؟.

وفي غياب شفافية حقيقية وآليات مراقبة مستقلة، يتحوّل تركيب البُنى التحتية إلى سلاح مزدوج؛ يمدّ الدولة بقدرات أمنية لكنه في الوقت ذاته يمنح بُعيدًا خارجيًا نفوذاً على معلومات وحركية داخلية.

ولا يمكن فصل هذه التطورات عن السياق الدولي؛ فالتحالفات الجديدة وإعادة ترتيب الأولويات الإقليمية جعلت من دولة الاحتلال شريكًا تقنياً مرغوبًا لدى بعض العواصم الخليجية، مقابل تعهّدات سياسية وامتيازات اقتصادية.

لكنّ هذا الربط بين مصالح اقتصادية وتقنية من جهة، ومواقف سياسية مبهمة حيال الانتهاكات المرتكبة في فلسطين وغزة من جهة أخرى، يضع هذه الأنظمة أمام مآزق أخلاقية وسياسية طويلة الأمد.

في نهاية المطاف، إن ما يجري في أبوظبي ليس فصلًا عابرًا من مستويات العلاقات الاقتصادية؛ إنه نموذجٌ قد يُستنسخ في دولٍ أخرى يعيد تعريف الحدود بين التطبيع والأمن والسيادة.

وإذا ما جرى التسليم بهذه القاعدة، فقد لا يكون شعار “السلام” سوى واجهةٍ لصفقةٍ أمنية تُفرغ معنى السلام من مضامينه الأخلاقية والسياسية، وتحوّله إلى ذريعةٍ لمنح التقنيات القمعية شرعية عملٍ جديدة في قلب المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى