تحليلات واراء

شبكة أفيخاي تُصوَّر المقاومة عقبة بينما يُصنع الفراغ الإداري في غزة

في خضم النقاشات المتصاعدة حول مستقبل إدارة قطاع غزة بعد الحرب المدمّرة، تحرض حسابات “شبكة أفيخاي” بتصوير فصائل المقاومة وفي مقدمتها حركة حماس، باعتبارها عقبة أمام تشكيل لجنة فلسطينية جديدة لإدارة غزة، متجاهلةً عمدًا جملة من الوقائع السياسية المعلنة.

أولى هذه الوقائع أن فصائل المقاومة، وعلى رأسها حماس، أعلنت أكثر من مرة استعدادها الكامل لتسليم إدارة القطاع إلى لجنة فلسطينية متوافق عليها وطنيًا، أو الذهاب نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى إدارة الشأن المدني بعيدًا عن التجاذبات الفصائلية.

وقد جاء هذا الموقف، في سياق محاولة تجنيب القطاع مزيدًا من الفوضى والانهيار، لكن تم تجاهله بالكامل في خطاب شبكة أفيخاي، التي تصر على اختزال المشهد في معادلة واحدة: «المقاومة = تعطيل الحكم».

ويعكس هذا الاختزال استراتيجية دعائية واضحة تقوم على قلب الحقائق.

فشبكة أفيخاي تتغاضى عن موقف السلطة الفلسطينية المعلن، والذي يرفض حتى اللحظة أي صيغة تعاون حقيقي في إدارة غزة ما لم تُفرض شروط سياسية وأمنية محددة، كما تتجاهل تعقيدات الخلافات الداخلية الفلسطينية التي لا تتحملها فصائل المقاومة وحدها.

الأهم من ذلك، أن هذه الحسابات تتجاوز عن قصد الموقف الإسرائيلي الرسمي نفسه، الذي عبّر بوضوح عن رفضه عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، سواء بصيغتها الحالية أو عبر أي غطاء إداري وطني.

شبكة أفيخاي ويكيبيديا

تمارس شبكة أفيخاي تضليلًا مزدوجًا، فهي من جهة تتهم المقاومة بعرقلة تشكيل لجنة وطنية، ومن جهة أخرى تتجاهل أن الاحتلال ذاته هو الطرف الذي يضع “الفيتو” العملي على أي صيغة حكم فلسطينية مستقلة في القطاع.

ويكشف هذا التناقض أن الهدف ليس البحث عن حل إداري لغزة، بل تحميل المقاومة كلفة سياسية وأخلاقية عن واقع صنعه الاحتلال وسياساته.

في الوقت نفسه فإن التحريض لا يقف عند حدود الخطاب السياسي، بل يمتد إلى المجال الإنساني.

إذ دأبت شبكة أفيخاي على مهاجمة فصائل المقاومة والجهات الحكومية في غزة بحجة عدم التحرك لإغاثة السكان، في وقت تتجاهل فيه حقيقة أن الاحتلال يفرض قيودًا مشددة على دخول المساعدات، ويستهدف البنية التحتية المدنية، ويمنع عمليًا أي إدارة فاعلة للأزمة الإنسانية.

المفارقة هنا أن الشبكة التي تحرّض على المقاومة بزعم حرصها على السكان، تتجاهل أن الفاعل الأساسي في تعميق الكارثة هو الحصار والعدوان المستمران.

ويمكن قراءة خطاب شبكة أفيخاي باعتباره محاولة مدروسة لفرض معادلة الفراغ.

فالاحتلال، عبر أدواته الإعلامية، لا يريد إدارة فلسطينية موحدة في غزة، سواء كانت بقيادة السلطة أو عبر لجنة وطنية توافقية، لأنه يدرك أن أي إطار حكم فلسطيني مستقل سيعيد تثبيت فكرة السيادة الوطنية، حتى وإن كانت محدودة.

لذلك، فإن السيناريو المفضّل إسرائيليًا هو بقاء غزة في حالة فراغ حكومي، تُدار فيها الحياة اليومية عبر مبادرات إغاثية مجتزأة أو هياكل هشة، بما يكرّس الاعتماد على الخارج ويمنع تشكل مرجعية سياسية فلسطينية جامعة.

في هذا السياق، يصبح التحريض على المقاومة وظيفة بحد ذاتها، لا وسيلة لبلوغ حل.

فشبكة أفيخاي لا تقدّم بديلًا عمليًا لإدارة غزة، ولا تضغط باتجاه رفع الحصار أو تسهيل الإغاثة، بل تكتفي بتأليب الرأي العام ضد فصائل المقاومة، وتحميلها مسؤولية واقع إنساني وسياسي معقّد.

واللافت أن هذا التحريض يترافق مع صمت تام إزاء الدعوات الفلسطينية الداخلية لتشكيل لجنة وطنية مستقلة، أو حكومة وحدة، وهو صمت يعكس خشية حقيقية من أي توافق فلسطيني.

ويرى المراقبون أن تصوير المقاومة كعقبة أمام إدارة غزة يخدم هدفًا أوسع يقوم على نزع الشرعية السياسية عنها، وتحويلها من فاعل مقاوم للاحتلال إلى مشكلة داخلية تعيق الاستقرار.

وتسعى هذه السردية، التي تروّج لها شبكة أفيخاي، إلى إعادة تعريف الصراع من كونه صراعًا مع احتلال، إلى نزاع فلسطيني–فلسطيني، يكون الاحتلال فيه مجرد “مراقب” أو “وسيط”.

وفي المحصلة، لا يمكن فصل خطاب شبكة أفيخاي عن المشروع الإسرائيلي الأشمل في غزة: إبقاء القطاع ضعيفًا، بلا إدارة وطنية جامعة، وبلا أفق سياسي واضح.

فالتحريض على المقاومة، وشيطنتها إعلاميًا، ليس سوى أداة لإدامة هذا الواقع، وعرقلة أي مسار فلسطيني مستقل لإدارة القطاع وتخفيف معاناة سكانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى