فضيحة فساد وامتيازات شخصية وراء حظر السلطة استيراد الهواتف الذكية

أثار قرار السلطة الفلسطينية فرض شروط مشددة على استيراد الهواتف الذكية موجة غضب واسعة في أوساط التجار والمواطنين، وسط اتهامات متصاعدة بأن القرار لا يستند إلى مبررات تنظيمية أو اقتصادية، بقدر ما يخدم مصالح ضيقة مرتبطة بامتيازات شخصية ونفوذ عائلي داخل بنية السلطة.
فبدلاً من تنظيم السوق وحمايته، بدا القرار وكأنه خطوة إضافية في مسار احتكار ممنهج يضرب ما تبقى من المشاريع الصغيرة ويعمّق فجوة الثقة بين السلطة والشارع الفلسطيني.
وبموجب القرار الجديد، بات استيراد الهواتف الذكية مشروطاً بالحصول على وكالة رسمية من الشركة الأم، إضافة إلى رخصة استيراد مباشرة، وهي شروط يصفها تجار بأنها “تعجيزية” ولا تتناسب مع واقع السوق الفلسطيني ولا مع قدرات غالبية المستوردين المحليين.
ويؤكد متضررون أن هذه الشروط عملياً تقصي عشرات التجار الصغار، وتمنح أفضلية شبه مطلقة لعدد محدود من الوكلاء الحصريين.
وكشف مصدر مطلع على تفاصيل القضية أن القرار تم صدوره بطلب مباشر من مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية، يمتلك نجله وكالة حصرية لإحدى شركات الهواتف الذكية.
وبحسب المصدر، فإن الهدف الأساسي من هذه الخطوة هو إقصاء المنافسين، وإعادة رسم السوق بما يضمن احتكار الاستيراد والتوزيع، وتحقيق أرباح ضخمة على حساب التجار والمستهلكين على حد سواء.
فساد السلطة الفلسطينية
أعاد هذا الكشف إلى الواجهة اتهامات قديمة للسلطة باستخدام أدوات التنظيم والرقابة كوسيلة لتصفية المنافسة، ومنح الامتيازات لأبناء المسؤولين والمقربين منهم.
ففي نظر كثيرين، لا يمكن فصل قرار حظر أو تقييد استيراد الهواتف عن سياق أوسع من السياسات التي حولت الاقتصاد الفلسطيني إلى مساحة مغلقة، تتحكم بها شبكة مصالح ضيقة، بينما يُترك المواطن لمواجهة الغلاء والبطالة وانعدام الأفق.
ويؤكد التجار المتضررون أن القرار يهدد بشكل مباشر مشاريعهم الصغيرة، التي تكافح أصلاً للبقاء في ظل أوضاع اقتصادية خانقة، وركود متواصل، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
ويقول أحد المستوردين إن “السلطة تطلب منا شروطاً لا تستطيع حتى الشركات الكبرى تلبيتها بسهولة، بينما تُفتح الأبواب على مصراعيها لوكيل واحد أو اثنين، بحجة أنهم يمثلون الشركة الأم”.
أما المواطنون، فيرون في القرار حلقة جديدة في سلسلة من الإجراءات التي تزيد من معاناتهم اليومية، بدل أن تسعى لتخفيفها.
فالهواتف الذكية باتت أداة أساسية للتواصل والعمل والتعليم، خاصة في ظل الاعتماد المتزايد على الخدمات الرقمية. ومع تضييق الاستيراد واحتكار السوق، يتوقع كثيرون ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، وانخفاضاً في الخيارات المتاحة، ما يضيف عبئاً جديداً على كاهل الأسر الفلسطينية.
السلطة الفلسطينية ويكيبيديا
يحذر مختصون من أن مثل هذه القرارات تخلق سوقاً مشوهة، وتفتح الباب أمام التهريب والسوق السوداء، بدلاً من تعزيز المنافسة والشفافية.
كما أن تقييد الاستيراد بهذه الطريقة يتناقض مع أبسط مبادئ الاقتصاد الحر، ويبعث برسائل سلبية للمستثمرين المحليين، الذين يرون أن نجاح أي مشروع بات مرهوناً بالولاء والعلاقات، لا بالكفاءة والجودة.
بموازاة ذلك لا يمكن فصل القرار عن أزمة الثقة المتفاقمة بين السلطة والشعب. فحين يشعر المواطن أن القرارات الاقتصادية تُتخذ لخدمة أبناء المسؤولين، لا الصالح العام، فإن ذلك يقوض ما تبقى من شرعية مؤسسات الحكم.
ويرى مراقبون أن استمرار هذا النهج يعمّق القناعة السائدة بأن السلطة تحولت من كيان يُفترض أن يدير شؤون الناس، إلى أداة للسيطرة على السوق وتوزيع الامتيازات.
ومع غياب الشفافية والمساءلة، تبقى الأسئلة مفتوحة: من يحاسب المسؤولين؟ ومن يحمي المشاريع الصغيرة؟ والأهم، إلى متى سيبقى الاقتصاد الفلسطيني رهينة لامتيازات شخصية تُدار باسم القانون والتنظيم؟.





