تحليلات واراء

عصابة ياسر أبو شباب: النطفة القذرة من رحم الشاباك الإسرائيلي

بإقرار إسرائيلي كشفته وسائل الإعلام العبرية على مدار الأيام الأخيرة، فإن عصابة ياسر أبو شباب ليست سوى مجرد نطفة قذرة من رحم الشاباك الإسرائيلي ولدت في إطار مشروع إسرائيلي – تطبيعي لمحاولة تفتيت غزة من الداخل.

وفي خضم استمرار حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكثر من 20 شهرا، تتبلور ملامح مخطط أمني-سياسي إقليمي يتجاوز حدود الحرب العسكرية.

هذا المخطط يقوم على ركيزتين: إضعاف المقاومة من جهة، وخلق بدائل هجينة من أدوات الفوضى الداخلية من جهة ثانية. في هذا السياق، تبرز “عصابة ياسر أبو شباب” كمجموعة وظيفية صنعها الشاباك الإسرائيلي، بتنسيق مع أطراف في محور التطبيع، لا سيما الإمارات، بهدف تفريغ المشهد الفلسطيني من أي تمثيل مقاوم واستبداله ببنية ميليشيوية عميلة ومجرّدة من أي مضمون وطني.

الصحافة الإسرائيلية نفسها كشفت الستار عن هذا المشروع. صحيفة يديعوت أحرنوت تحدثت علناً عن “كمين الميليشيا” التي نفذت عمليات ضد عناصر من كتائب القسام، فيما تم تسليط الضوء على تلقي هذه الجماعة سلاحاً إسرائيلياً مباشراً.

في المقابل، تدخل جيش الاحتلال حينما حاولت عناصر من المقاومة اعتقال مجموعة من عصابة ياسر أبو شباب، وأرسل طائراته لتوفير الحماية لأفراد العصابة.

ميليشيات الجريمة… خارطة الشاباك الجديدة

ليست جماعة أبو شباب إلا نموذجاً لتجربة أشمل، تعمل من خلالها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على تجنيد عناصر من بيئات هامشية – إجرامية، ومنحها سلاحاً وسلطة لإرباك البيئة الداخلية في قطاع غزة.

والعلاقة بين جهاز الشاباك وهذه الجماعات ليست عابرة. الاعتراف الإسرائيلي واضح: “نعم، سلّحنا أبو شباب مقابل تأمين المساعدات”، كما جاء في تصريحات دوائر استخبارية وأمنية.

لكن خلف هذا الادعاء الإنساني، يكمن هدف مركزي: تفكيك البنية الاجتماعية والسياسية للمقاومة وتحويل قطاع غزة إلى منطقة رخوة يُعاد تشكيلها على مقاس الاحتلال.

لا غطاء وطنياً ولا قبول شعبياً

على الأرض، لا تحظى عصابة أبو شباب بأي غطاء وطني أو احتضان شعبي. سكان رفح، حيث يتمركز نفوذ هذه العصابة في مناطق سيطرة الاحتلال، يعرفون تماماً أنها مجموعة مرتزقة خرجت من رحم الجريمة والتهريب.

وحتى العائلة الكبرى لقادة العصابة، الترابين، تبرأت منهم، وأعلنت رفضها لاستخدام اسمها لتبرير ما يقوم به ياسر أبو شباب من أعمال لصالح الاحتلال.

الطبيعة المليشيوية لهذه العصابة، وسلوكها القائم على السطو والنهب، ظهر جلياً في حادثة سرقة 40 شاحنة طحين من وسط القطاع، وتورطها في قتل مدنيين على طوابير توزيع المساعدات.

هذه الممارسات تضع عصابة أبو شباب في خانة واحدة مع التنظيمات العميلة تاريخياً: أدوات مؤقتة سرعان ما يتم التخلص منها بعد أداء المهمة.

المساعدات كسلاح في حرب السيطرة

الوجه الآخر لهذا المشروع يكمن في آلية توزيع المساعدات التي تشرف عليها شركة أمريكية خاصة، بدعم عسكري إسرائيلي وتمويل من الإمارات العربية المتحدة.

إذ يجري تسليم المعونات في مراكز محددة تُحاط بعناصر من الجيش الإسرائيلي، وتُستثنى منها عائلات تنتمي أو تشتبه دولة الاحتلال بانتمائها للمقاومة. هذا التمييز السياسي الصارخ في توزيع الغذاء يكرّس خطاً إنسانياً موازياً لخط النار: تجويع الموالين للمقاومة، وإطعام الخانعين.

لا تملك الأمم المتحدة موطئ قدم حقيقي في هذه المنظومة، خصوصاً في منطقة رفح. القانون الدولي يمنع استخدام المساعدات كسلاح سياسي، لكن إسرائيل – وبدعم أمريكي مباشر – تضرب هذا المبدأ بعرض الحائط، وتحرم الآلاف من الغذاء بسبب انتماءاتهم السياسية المفترضة. النتيجة كانت مجازر حقيقية، سقط خلالها عشرات الفلسطينيين أثناء محاولاتهم الوصول إلى مراكز توزيع الطعام.

اغتيال العمل الإنساني

الهيئات الإنسانية الحقيقية كالهلال الأحمر الفلسطيني والأمم المتحدة تمتلك خبرة وفهماً للاحتياجات، لكن تم استبعادها قسراً من هذا المشروع، لصالح أدوات وظيفية لا علاقة لها بالإغاثة.

هذا التوجه يعبّر عن منطق استعماري: تحويل المساعدات إلى وسيلة للضبط السياسي، وتوظيف الجريمة المنظمة كذراع ميداني لإعادة تشكيل المجتمعات المستهدفة.

الإعلام الإسرائيلي يبرر ذلك بـ”الواقعية السياسية”، كما كتب الصحفي جاكي حوجي: “قد تكون هذه التجربة فاشلة، ولكنها ابتكار إسرائيلي في تحويل البلطجية إلى شركاء أمنيّين”. وهنا مكمن الخطر: إسرائيل لا تعترف بفشلها، بل تُعلي من شأن العبث الأمني حتى لو كان الثمن فوضى دموية طويلة الأمد.

مصير عصابة أبو شباب

من الناحية العملياتية، لا تمتلك هذه العصابة أي أفق. فهي لا تستند إلى برنامج سياسي، ولا تمثل قطاعاً اجتماعياً حقيقياً، ولا تملك أي بعد أخلاقي أو وطني. إنها مجرد أداة مؤقتة وملف مفتوح للحرق بمجرد انتهاء صلاحيتها.

وهذا ما يجعلها مكروهة، منبوذة، ومهددة بالتصفية من كل اتجاه: من المقاومة التي تراها خنجراً في الخاصرة، ومن إسرائيل التي لن تتردد في التخلص منها إذا ما انقلبت عليها أو فشلت في مهمتها.

بل إن الاحتلال نفسه بات يدرك أن اللعب بالنار عبر الجماعات الإجرامية لن يؤدي إلى استقرار ولا حتى إلى تقويض دائم للمقاومة. الجريمة حين تُسلّح تتحول إلى غول، وقد ينقلب هذا الغول على صانعه في لحظة.

المؤامرة تتفسخ من الداخل

عصابة ياسر أبو شباب ليست إلا عرضاً لمرض أكبر ينهش في بنية الاحتلال نفسه: الإفلاس الأخلاقي والسياسي في إدارة ملف غزة. المشروع القائم على تسليح العملاء، التلاعب بالمساعدات، واستغلال حاجة الناس، سيولد مشهداً كارثياً على الجميع.

ما تحاول دولة الاحتلال خلقه عبر “النطفة القذرة” سيعود عليها بالخسران، فيما يظل الشعب الفلسطيني هو الضحية، لكنه أيضاً صاحب القدرة الأعمق على إفشال هذه المؤامرات، تماماً كما أفشل غيرها على مدار أكثر من سبعين عاماً من النضال والصمود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى