تحليل: مصير عصابة ياسر أبو شباب السقوط الحتمي

برزت على مدار الأسابيع الأخيرة ظاهرة عصابة ياسر أبو شباب كأحد أبرز مظاهر الانهيار الأمني والفوضى التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي تكريسها واستثمارها لتحقيق أهدافه العدوانية في القطاع وذلك في خضم حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ أكثر من 20 شهرا.
وتمثل عصابة ياسر أبو شباب التي تنشط في المناطق الشرقية من مدينة رفح، وتحت غطاء إسرائيلي واضح، محاولة متكررة من الاحتلال لاستنساخ نماذج سابقة من “التعاون” مع مجموعات محلية هدفها إضعاف المقاومة الفلسطينية وتقويض الوحدة الوطنية، غير أن كل هذه المحاولات تواجه مصيراً مشابهاً: الفشل الذريع والسقوط الحتمي.
روابط القرى والعشائر كأدوات مؤقتة
تعود جذور هذه السياسة الإسرائيلية إلى محاولات سابقة في الضفة الغربية ولبنان، حين سعت دولة الاحتلال إلى تأسيس مليشيات مسلحة محلية، مثل “روابط القرى” في الثمانينيات و”جيش لبنان الجنوبي”، بغرض ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة وتفكيك النسيج الوطني.
لكن هذه المحاولات لم تنجح، وأدت فقط إلى إحداث توترات داخلية مؤقتة قبل أن تُفشل كلياً بسبب الرفض الشعبي العارم.
وفي غزة، حاول الاحتلال إعادة إنتاج هذه التجارب عبر دعم مجموعات مثل عصابة ياسر أبو شباب، التي بدأت نشاطها أساساً في سرقة الشاحنات والبضائع التي تدخل القطاع عبر معبر رفح، مستغلة تداعيات العدوان الإسرائيلي.
ومع توسع عملياتها، تحولت هذه العصابات إلى العمل تحت اسم “القوات الشعبية”، أي مليشيا مسلحة تضم نحو مائة إلى مائتي شخص مسلح، بحسب تصريحات وزير الجيش الإسرائيلي الأسبق أفيغدور ليبرمان.
هذه السياسة الإسرائيلية الجديدة تعتمد على خلق بيئة فوضى وانفلات أمني يستهدف ضرب المقاومة والهيمنة على مصادر القوة داخل غزة. لكنها، كغيرها من الخطط السابقة، لن تنجح في فرض نفوذ دائم، لأن التاريخ أثبت أن هذه التجارب لا تلقى قبولاً شعبياً، ولا تحظى بأي شرعية محلية.
القاعدة الاجتماعية الفلسطينية تصدّ وتقاوم
يؤكد مراقبون أن الرفض الشعبي لعصابة ياسر أبو شباب وحلفائها داخل القطاع هو العامل الحاسم في سقوطهم المتوقع.
فقد أصدر مجلس قبيلة الترابين، التي ينتمي إليها أبو شباب، بياناً واضحاً يدين فيه أنشطته، معلناً براءته منه ومطالباً باعتقاله نظراً لسجله الإجرامي وضلوعه في خلق حالة من الفوضى تحت حماية الاحتلال.
كما أن الفلسطينيين في غزة يرفضون بشدة كل أشكال التعاون مع الاحتلال، وهو ما ظهر جلياً في ارتفاع صوت المقاومة الشعبية ضد هذه المليشيات، خصوصاً في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية ومحاولات الاحتلال كسر إرادة الشعب عبر التجويع والحصار.
وتدرك الجماهير الفلسطينية أن هذه العصابات ليست سوى أدوات إسرائيلية تستهدف إضعاف المقاومة وتدمير اللحمة الوطنية.
وفي ظل حالة الرفض هذه، فإن استمرار بقاء هذه المليشيات سيكون محفوفاً بالمخاطر، حيث يُتوقع أن تتحول إلى هدف مباشر للقوى الوطنية والمقاومة في حال حدوث أي تهدئة أو وقف لإطلاق النار.
صمود المقاومة وقدرتها على قلب الطاولة
أظهرت فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، صموداً كبيراً واسطوريا أمام المحاولات الإسرائيلية لإضعافها أو استبدالها بمجموعات “تعاونية”.
فقد استطاعت المقاومة على مدار أكثر من عشرين شهراً من الحرب المتواصلة أن تحافظ على قوتها التنظيمية والقتالية، رغم الحصار والإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة.
وقد تعاملت حماس سابقاً مع الجماعات المتطرفة والإجرامية التي حاول الاحتلال إشراكها في لعبة السيطرة، بحسم وقوة، حيث طردت العديد من تلك الجماعات ومنعت انتشارها في القطاع، وهو ما يؤكد قدرة المقاومة على تطويق ظاهرة عصابة أبو شباب ومثلها من المليشيات.
بالإضافة إلى ذلك، لا يملك الاحتلال القدرة على خلق بيئة مستقرة لهذه المليشيات، لأن استمرار الحرب واستهداف المقاومة يعيقان تثبيت أي نفوذ لهذه العصابات التي تبقى مرتهنة لمصالح الاحتلال وزعاماته الأمنية.
مشروع إسرائيلي وأمريكي لإعادة فرض السيطرة
يتقاطع ظهور عصابة ياسر أبو شباب مع مشروع إسرائيلي مدعوم أميركياً يهدف إلى فرض السيطرة الأمنية والعسكرية والاقتصادية على غزة، من خلال خلق بنى تحتية محلية موالية، تفصل الفلسطينيين عن بعضهم البعض، وتمنع توحدهم في مواجهة الاحتلال.
ويشير الباحث السياسي أحمد عطاونة إلى أن الولايات المتحدة تسهم في تمكين الاحتلال من خلال مؤسساتها المختلفة، عبر دعم هذه المليشيات وتسهيل مهامها كأداة لتعميق الانقسامات، وفرض رقابة مشددة على حركة السكان والمساعدات الإنسانية، وربما تنفيذ مخططات تهجير جنوب القطاع.
هذه السياسة، وإن بدت في ظاهرها مجرد “تجربة أمنية”، تهدف إلى ضرب المقاومة وحصارها من الداخل، إلا أنها تواجه عقبات كبيرة، أهمها رفض الفلسطينيين وإدراكهم لحقيقة هذه المشاريع التي تسعى إلى تصفية القضية الوطنية.
دروس من الماضي وأفق المستقبل
التجارب السابقة التي شهدتها الضفة الغربية ولبنان أثبتت أن تشكيل مليشيات محلية موالية للاحتلال لا يمكن أن ينجح في ظل مقاومة مجتمعية موحدة ورفض شعبي مستمر.
ففي لبنان، رغم الدعم الكبير لجيش لبنان الجنوبي، سقط هذا الجيش مع نهاية الاحتلال الإسرائيلي في العام 2000، وتعرضت عناصره لملاحقات مجتمعية وقضائية.
وفي الضفة، أُجهضت محاولات “روابط القرى” في بدايات الثمانينيات بسرعة بسبب رفض الفلسطينيين القاطع لهذه المشاريع التي كانت تهدف إلى تقويض منظمة التحرير.
وبناء على هذه الوقائع، فإن استمرار وجود عصابة ياسر أبو شباب في غزة مرهون بغطاء الاحتلال فقط، ومع تزايد الضغط الشعبي والمقاوم، سيقود ذلك إلى سقوطها الحتمي، كما ستنهار أي محاولات إسرائيلية لاحقة لتكرار مثل هذه التجارب.
وعليه فإن مصير عصابة ياسر أبو شباب ومجموعاتها الموالية للاحتلال في قطاع غزة يبدو مكشوفاً، خاصة مع تزايد الرفض الشعبي الفلسطيني وتصاعد قوة المقاومة التي لم تستسلم للحصار أو الحروب المتتالية.
ويؤكد المراقبون أن محاولات الاحتلال الإسرائيلي لتكرار تجارب قديمة عبر إنشاء مليشيات محلية ما زالت تواجه عوائق حقيقية تتمثل في وعي المجتمع الفلسطيني وإصراره على مقاومة كل أشكال التآمر والتفتيت.
وبحسب المراقبين فإن سقوط هذه العصابات ليس مجرد احتمال، بل هو أمر حتمي في ظل تاريخ طويل من الفشل لهذه السياسات، التي لن تنجح في تغيير معادلة الصراع القائمة على المقاومة والمواجهة، ولن تستبدل إرادة الشعب الفلسطيني الموحدة في مواجهة الاحتلال وحماية وطنه وكرامته.