حرمان إسرائيلي متعمد لسكان غزة من الرعاية الصحية
يتعمد الاحتلال الإسرائيلي انتهاج الحرمان المباشر لسكان قطاع غزة من الرعاية الصحية في خضم حرب الإبادة التي يواصل شنها منذ عشرة أشهر.
من ذلك منع الأطباء من ذوي الأصول الفلسطينية من الدخول إلى قطاع غزة للمساعدة في علاج وتأهيل الجرحى والمرضى ودعم الطواقم الطبية العاملة هناك.
أحد هؤلاء الطبيب علي العايدي وهو جراح عظام يمارس المهنة في الولايات المتحدة الأمريكية التي حصل على جنسيتها منذ سنوات.
صراع البقاء
يقول العايدي “بعد مرور ما يقرب من عشرة أشهر على الحرب في غزة، لم يتبق أي شيء لا يحتاجه الناس الذين يكافحون من أجل البقاء هناك: الماء، والغذاء، والمأوى، والأمن ــ لقد أصبح سكان غزة محاصرين حرفيا ويمنعونهم من الحصول على الأشياء الأساسية للحياة”.
ويضيف أن سكان غزة “يحتاجون بشدة إلى أطباء ماهرين مثلي. أنا جراح عظام. وفي وقت سابق من هذا العام أكملت تدريبي في كلية الطب بجامعة ييل وأعمل الآن في عيادة صغيرة في تكساس”.
ويتابع “مثل العديد من الأميركيين، كنت أشعر بالصدمة عندما أشاهد صور الناس الذين فقدوا أطرافهم في القصف الإسرائيلي أو الذين تعرضوا لبتر أجزاء من أذرعهم أو أرجلهم بسبب سحقها تحت الحجارة المتساقطة. وبصفتي طبيباً، شعرت بأنني مضطر إلى تقديم المساعدة”.
وذكر العايدي أنه تمكن من السفر إلى غزة في شهر إبريل/نيسان لمساعدة الجرحى الذين أصيبوا نتيجة للقصف الإسرائيلي الذي أدى إلى قتل وإصابة الآلاف الذين حوصروا في المباني، أو أصيبوا بشظايا أو أصيبوا بجروح أثناء الهجمات الصاروخية على مخيمات اللاجئين.
ولكن بعد القاعدة التي فرضتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً، لم يعد يُسمح للطبيب العايدي بتقديم خبرتي الطبية للمساعدة في غزة.
إذ كانت المهمة الطبية التي شارك فيها، برعاية منظمة إغاثة دولية تُدعى “فجر العالمية”، في مستشفى غزة الأوروبي في خان يونس، وهو المستشفى الذي تم إخلاؤه منذ ذلك الحين.
منع تعسفي
يقول العايدي “كنت أخطط للانضمام إلى رحلة متابعة طبية في يونيو/حزيران مع نفس المنظمة الإغاثية وكان من المقرر أن يتم إرسالي إلى مستشفى في وسط غزة”.
ويضيف “وصلت إلى الأردن عندما علمت أن السلطات الإسرائيلية رفضت السماح لي بالدخول مرة أخرى. والسبب، كما قيل لي، هو أنني فلسطيني”.
وُلد العايدي في مخيم للاجئين في غزة بعد أربع سنوات من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987. في ذلك الوقت، غزت القوات الإسرائيلية القطاع بالكامل تقريبا.
وفي ظل تلك الظروف الشبيهة بالحرب، كان القتل والتدمير جزءًا طبيعيًا من حياة سكان قطاع غزة. وقد تقدم العايدي بطلب اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، ويقول “كنا محظوظين بما يكفي للحصول عليه”.
ويوضح “كنت في الخامسة من عمري عندما غادرنا. كنا من بين القلائل المحظوظين الذين تمكنوا من الفرار باستخدام هذا الطريق. لقد فرّرنا من غزة كلاجئين. ولا يزال معظم أفراد عائلتي الممتدة يعيشون في غزة”.
ويضيف “بعد عملية طويلة ومعقدة، حصلت أخيراً على الجنسية الأميركية عندما بلغت الثامنة عشرة من عمري. وكثيراً ما شعرت بالذنب لأنني كنت أعلم أن أحبائي الذين تركتهم ورائي لن يستفيدوا من المزايا التي حصلت عليها في الولايات المتحدة. ولقد سعيت إلى مسار مهني يسمح لي بتقديم أفضل ما لدي لوطني. وكان الطب خياراً طبيعياً، نظراً لاهتماماتي وقدراتي”.
ويتابع “في كل طلب وظيفة، وفي كل بيان شخصي، وفي كل مقابلة، كنت أعبر عن هدفي المهني: تقديم الإغاثة الطبية لأولئك الذين يعانون في غزة، ومساعدة أولئك الذين لم يتمكنوا من الفرار من ويلات الحرب كما فعلت”.
محاولة رد الجميل
في شهر إبريل/نيسان، كانت فترة تدريب العايدي في جراحة العظام في جامعة ييل تقترب من نهايتها، وكانت الحرب في غزة مستعرة.
ويقول “عرفت أن الوقت قد حان للوفاء بوعدي والعودة إلى غزة، والمساهمة بمهاراتي الجراحية، وتقديم أي مساعدة أستطيعها لنظام الرعاية الصحية المنهك بشدة”.
ويضيف “كانت تلك المهمة الطبية التي استمرت لمدة أسبوعين بمثابة تجربة غيرت حياة المتطوعين، وكذلك الأشخاص الذين كنا محظوظين بما يكفي لمساعدتهم. كان عددنا 14 شخصًا: 10 جراحي عظام وأربعة أطباء تخدير. وعندما حان وقت العودة إلى الولايات المتحدة، أدركنا حجم العمل الذي لا يزال يتعين علينا القيام به. لقد قمت بالتسجيل للمشاركة في مهمة متابعة لمدة شهر في يونيو”.
ويوضح “حصلت بالفعل على الموافقات اللازمة من الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية. وصلت إلى الأردن قبل عدة أيام من سفري أنا وأعضاء الفريق الطبي الآخرين إلى غزة. في تلك اللحظة، قبل أيام قليلة من مغادرتنا، تلقى منظمو الرحلة رسالة نصية تفيد بأن السلطات الإسرائيلية وافقت على دخول الجميع – ولكن ليس أنا”.
قالت الرسالة، التي تم إرسالها إلي، إن العايدي “رُفِض رسميًا بسبب جذوره الفلسطينية”.
الشعور بالعجز
عندها عادت ذكريات نشأته ونزوحه خارج غزة ولكن مع شعور مكثف بالعجز.
ويقول “إن البؤس والحاجة الهائلة التي رأيتها في غزة هي السبب وراء اختياري لدراسة الطب، والسبب وراء رغبتي في دراسة جراحة العظام”.
ويضيف “خلال تلك المهمة في شهر إبريل/نيسان، لم يغب عن ذهني قط أنني كنت على بعد قرار واحد من أن أظل بين الناس الذين يعانون هناك. لقد تمكنت من الفرار من غزة عندما كنت طفلاً، لكن هذا لا يجعل حياتي أكثر قيمة من حياة الناس الذين يعيشون هناك”.
ويضيف “لكن السياسة الإسرائيلية جعلت رد الجميل أمرا مستحيلا. إن هذا القرار السياسي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع المزرية بالفعل في غزة”.
ويؤكد الطبيب العايدي أن الأزمة الصحية في المنطقة ليست مجرد إحصائية مجردة بل هي واقع يومي يعيشه مئات آلاف البشر. فالمستشفيات مثقلة بالمرضى، والإمدادات الطبية شحيحة، والكوادر الطبية المدربة أصبحت منهكة، ولهذا السبب فإن رفض السماح للأطباء بدخول غزة هو حرمان مباشر من الصحة والرفاهية لشعب غزة”.
ويؤكد العايدي أن حرمان الأطباء من أداء وجابهم في غزة “ليس سوى واحد من بين العديد من التكتيكات التي تستخدمها الحكومة الإسرائيلية لتقييد تدفق المساعدات إلى غزة”.
ويشدد على أنه يتعين على المجتمع الدولي أن يقف بحزم في إدانة مثل هذه الممارسات والدعوة إلى قدسية المساعدات الإنسانية.
ويختم العايدي بأن حرمان طبيب فلسطيني من حق التطوع ـ مما يعوق في الوقت نفسه تقديم الجهود الإنسانية ـ يشكل إهانة بالغة. ويتعين على الحكومات في مختلف أنحاء العالم والمنظمات الدولية والأفراد ذوي النفوذ أن يبذلوا قصارى جهدهم للمساعدة في عكس مسار هذه السياسة اللاإنسانية”.
المصدر: شبكة CNN الأمريكية