مذكرة اعتقال نتنياهو من المحكمة الجنائية: أهميتها وما هو المتوقع منها؟
تتمتع مذكرة اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف جالانت التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بثقل قانوني وسياسي كبير.
وهذه الإجراءات لها عواقب فورية تتعلق بالالتزامات القانونية للدول الأطراف في نظام روما الأساسي، وهي المعاهدة التي أسست المحكمة الدولية.
وبموجب الأوامر أصبحت جميع الدول الـ 124 الأطراف في نظام روما ملزمة باعتقال نتنياهو وجالانت، فيما لا يمكن أن تبدأ المحاكمة غيابيا، ويجب على الدول الأعضاء تسليم المتهمين إلى المحكمة في لاهاي.
والمحكمة لا تملك صلاحيات تنفيذية، بل تعتمد على تعاون الدول الأعضاء في اعتقال المشتبه بهم وتسليمهم.
مكافحة الإفلات من العقاب
وقالت جوليا بينزاوتي، أستاذة القانون الدولي بجامعة ليدن تعليقا على أوامر الجنائية الدولية “إنها خطوة مهمة للغاية في مكافحة الإفلات من العقاب”.
وأكدت أن جميع الدول الأطراف ملزمة بالتعاون مع المحكمة، وينبغي لها أن تفعل ذلك، مشددة على أن ذلك “يمثل لحظة حاسمة للتعاون مع المحكمة الدولية”.
ومن بين الموقعين على النظام الأساسي جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى المملكة المتحدة. وفي الشرق الأوسط، تشمل هذه الدول الأردن وتونس.
ومع ذلك، فإن دولاً أخرى، ولا سيما الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا، ليست من الموقعين على المعاهدة. كما أن أغلب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك تركيا والمملكة العربية السعودية، لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية.
وفي يوم الخميس، أعلنت عدة دول أطراف في النظام الأساسي، عقب إعلان الدائرة التمهيدية الأولى، عن نيتها تأييد قرار المحكمة، منها هولندا، وفرنسا، والأردن، وبلجيكا، وأيرلندا.
ومن المرجح أن يقيد نتنياهو وغالانت، سفرهما إلى الخارج، كما فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في أعقاب مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضده.
وقد تختار الحكومة الإسرائيلية المستقبلية أيضًا تسليمهما إلى لاهاي.
وعلاوة على ذلك، يجوز للدول غير الأعضاء في نظام روما الأساسي أن تختار تسليم المشتبه بهم إلى لاهاي، أو منعهم من دخول أراضيها، أو محاكمتهم بموجب ولايتها القضائية المحلية.
عار سيلاحق نتنياهو
قال تريستينو مارينيلو، المحامي الدولي في مجال حقوق الإنسان الذي يمثل الضحايا الفلسطينيين أمام المحكمة الجنائية الدولية، إنه من غير المرجح أن يتم تسليم نتنياهو أثناء وجوده في منصبه.
وأضاف مارينيلو “لكن هذا سيكون له تأثير قوي على إمكانية عمله كرئيس للوزراء لأنه لن يكون قادرًا على السفر إلى 124 ولاية لديها التزام قانوني، وليس تقديرًا سياسيًا، باعتقاله وتسليمه”.
وبحسب مارينيلو، الذي وصف المذكرات بـ”التاريخية”، فإن تأثيرها سيكون أبعد من ذلك المتعلق بنتنياهو وغالانت.
وقد تؤدي هذه المذكرات إلى إثارة قضايا محلية ضد مواطنين آخرين في إسرائيل، وخاصة مزدوجي الجنسية في الدول الأوروبية، لأن المحكمة وجدت أن جرائم قد ارتكبت.
وقال مارينيلو “إن أي شخص آخر متورط في ارتكاب الجرائم يمكن تقديمه للعدالة على المستوى المحلي ولكن أيضا على المستوى الدولي”.
ورغم أن المحكمة الجنائية الدولية لديها سلطة قضائية على جريمة الإبادة الجماعية، فإن التهم الموجهة إلى القادة الإسرائيليين استبعدت الجريمة، التي تنظرها حاليا محكمة العدل الدولية في قضية رفعتها جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل” في ديسمبر/كانون الأول.
لكن المدعية العامة اعترفت في وقت سابق بأن المحكمة الجنائية الدولية تحقق حاليا بشكل نشط في جرائم أخرى وفي حملة القصف الإسرائيلية المستمرة.
وتتمتع المحكمتان المتمركزتان في لاهاي بصلاحيات مختلفة.
إذ أن محكمة العدل الدولية، الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، تقوم بتسوية النزاعات القانونية بين الدول وتقدم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي تطرحها منظمات الأمم المتحدة والوكالات ذات الصلة.
ومن ناحية أخرى، تحاكم المحكمة الجنائية الدولية الأفراد على أربع جرائم دولية: الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة العدوان.
يبرز الخبير القانوني المحامي عصام عابدين، أن مذكرة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وجالانت تضمنت تقليص الاتهامات الموجهة إليهما.
إذ اقتصرت هذه التهم على جرائم “التجويع” و “استهداف المدنيين” كجرائم حرب إلى جانب جرائم القتل والاضطهاد وأفعال لاإنسانية ذات طابع مماثل كصور من الجرائم ضد الإنسانية.
وبحسب عابدين، لا يبدو أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، مُقتنع حتى الآن بوجود أدلة كافية لإثبات تورط قادة ومسؤولي الاحتلال الإسرائيلي السياسيين والعسكريين، بما يشمل نتنياهو وغالانت، في ارتكاب جرائم إبادة جماعية.
ويضيف أن خان كذلك لا يبدو أنه مقتنع بوجود أدلة على وقوع جرائم التهجير القسري “المتكررة” التي طالت نحو “2 مليون إنسان” في قطاع غزة وتقع في صدارة الجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت بشكل واسع النطاق وممنهج منذ بداية العدوان.
كذلك لا يبدو أن خان مقتنع بوجود أدلة على ارتكاب جرائم التعذيب والاحتجاز التعسفي الذي طال أكثر من “15 ألف” أسير ومعتقل فلسطيني في سجون ومعسكرات الاحتلال علاوة على جرائم الاختفاء القسري التي تُصنّف كجرائم ضد الإنسانية.
وبالمثل، لا يبدو أن كريم خان مقتنع بارتكاب جرائم “الاضطهاد” و”الأبارتهايد” رغم تجذرها العميق وأشكالها واسعة النطاق (الهائلة) في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وينبه عابدين إلى أن أوامر القبض الدولية قد تكون موجهة لشخص نتنياهو وإيصال رسالة صارمة له من حلفائه الغربيين لوقف سياسة التجويع والتقتيل والتهجير بلا نهاية، وضرورة السعي لإيجاد مشروع سياسي وعدم الإمعان في عقيدة تحقيرهم والمحكمة.