تحليلات واراء

شبكة CNN: إسرائيل تحت ضغط غير مسبوق من الحلفاء الغربيين

القلق الغربي يتصاعد مع اتساع رقعة الحرب في غزة

بعد أكثر من تسعة عشر شهرًا من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، بدأت ملامح تحول غير مألوف تلوح في مواقف عدد من أقرب الحلفاء الغربيين لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

فمع تزايد الخسائر الإنسانية وتعمق الكارثة الإنسانية، لم يعد بالإمكان تجاهل الانتقادات الدولية التي باتت تُوجَّه علنًا من عواصم لطالما التزمت دعمًا غير مشروط لإسرائيل.

وفقًا لتقرير شبكة CNN، فإن المملكة المتحدة أوقفت مفاوضات تجارية مع دولة الاحتلال وفرضت عقوبات على مستوطنين متطرفين، بينما هددت كندا وفرنسا باتخاذ خطوات مشابهة.

أما الاتحاد الأوروبي — الشريك التجاري الأهم لتل أبيب — فيُعيد النظر في اتفاق الشراكة الموقع مع إسرائيل، في سابقة غير مسبوقة.

وبينما يستمر الحصار ومنع دخول المساعدات لمدة تجاوزت 11 أسبوعًا، يحذر كبار مسؤولي الأمم المتحدة من اقتراب الوضع في غزة من “الإبادة الجماعية”.

وقد دعا توم فليتشر، كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية، إلى تحرك دولي حاسم، في حين كشفت وزارة الصحة في غزة عن أرقام صادمة: أكثر من 53 ألف شهيد، بينهم عدد كبير من الأطفال، ونسب مرتفعة من الوفيات جراء سوء التغذية.

أوروبا تغيّر خطابها.. وتحذيرات من “غضب مكتوم”

هيو لافات، زميل السياسات في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أوضح لـCNN أن مجرد مناقشة مراجعة اتفاق الشراكة الأوروبي الإسرائيلي كانت حتى وقت قريب “من المحرمات”. لكن تصاعد الغضب الأوروبي — خصوصًا في ظل غياب أي أفق سياسي للحرب — دفع الكثيرين إلى إعادة النظر في أسس العلاقات مع إسرائيل.

وقال لافات: “هذه ليست مجرد لحظة انتقاد، بل لحظة مراجعة جوهرية للعلاقة”، مؤكدًا أن الدول الأوروبية تسعى من خلال الضغط إلى التأثير في النقاش الداخلي بإسرائيل، لا سيما وسط الانقسام الحاد حول جدوى استمرار الحرب.

الداخل الإسرائيلي منقسم.. والحكومة تتجاهل

رغم اتساع رقعة التظاهرات المناهضة للحرب، التي باتت تخرج أسبوعيًا بمشاركة مئات الآلاف، تصر حكومة نتنياهو — المدعومة من تحالف يميني متطرف — على المضي قدمًا في العمليات العسكرية.

استطلاع للرأي أجرته القناة 12 الإسرائيلية أظهر أن 61% من الإسرائيليين يؤيدون وقف الحرب مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة، في حين يدعم 25% فقط مواصلة الهجوم.

لكن آريه رايخ، أستاذ القانون في جامعة بار-إيلان، يرى أن الضغط الخارجي قد يكون له تأثير عكسي، موضحًا أن التدخل الأجنبي “يعزز التماسك الداخلي حول الحكومة في قضايا تتعلق بالأمن القومي”. رغم ذلك، يقر بأن “نافذة استخدام القوة العسكرية بدأت تُغلق”.

نتنياهو يراهن على واشنطن.. لكن الرياح لا تسير كما يشتهي

رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اختار كعادته مهاجمة حلفائه، متهمًا إياهم بـ”تقديم جائزة كبرى” لحركة حماس، في حين شددت وزارة الخارجية الإسرائيلية على أن “الضغوط الدولية لن تُغيّر من مسار الحرب”.

لكن يبدو أن الرهان الإسرائيلي على الدعم الأميركي بدأ يتآكل تدريجيًا. فإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في ولايته الثانية، تظهر مؤشرات على فتور في العلاقة مع نتنياهو، رغم استمرار الدعم العسكري والسياسي. بحسب CNN، فإن واشنطن:

أبرمت اتفاقًا لوقف إطلاق النار مع الحوثيين دون تنسيق مع الحكومة الإسرائيلية.

فاوضت بشكل منفرد على إطلاق سراح الأسير الأميركي عيدان ألكسندر.

سحبت ملف التطبيع بين السعودية ودولة الاحتلال كشرط للتعاون الاستثماري والعسكري مع الرياض.

السفير الأميركي في تل أبيب صرح مؤخرًا بأن بلاده “لا تحتاج إذنًا من أحد لحماية مصالحها”، في رسالة واضحة مفادها أن واشنطن لن تربط كل تحركاتها بحسابات الحكومة الإسرائيلية.

الدعم الأوروبي مشروط

رغم تحول النبرة الأوروبية، فإن خيارات العقاب تبقى محدودة. فتعليق اتفاق الشراكة الأوروبي يتطلب إجماعًا من 27 دولة، وهو أمر صعب في ظل اعتراض دول كالمجر.

إلا أن لافات يشير إلى أن بعض بنود الاتفاق يمكن تعليقها بأغلبية الأصوات، مثل فرض تعريفات جمركية على البضائع الإسرائيلية أو حرمانها من برامج البحث والابتكار الأوروبية.

وأوضح أن الاتحاد الأوروبي سبق أن اتخذ خطوات مشابهة بحق دول أخرى في قضايا أقل خطورة من غزة، لكن دولة الاحتلال “حظيت باستثناء سياسي طال أمده”.

عزلة دولية ورسائل تحذير داخلية

الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، يائير غولان، حذر مؤخرًا من أن دولة الاحتلال تسير “نحو التحول إلى دولة منبوذة”، في إشارة إلى العزلة الدولية المتزايدة.

وجاءت تلك التحذيرات متزامنة مع إعلان الحكومة الإسرائيلية السماح بدخول محدود لمساعدات غذائية “أساسية”، في محاولة على ما يبدو لتخفيف الضغوط.

وفي خطوة نادرة، اعترف نتنياهو بأن مجاعة محتملة في غزة “قد تطيح بالدعم الدولي”، كاشفًا عن رسائل صريحة تلقاها من أعضاء في الكونغرس الأميركي بأن صور “المجاعة الجماعية” قد تجبرهم على سحب دعمهم التقليدي لإسرائيل.

وبحسب مراقبين ترسم هذه التطورات ملامح مرحلة جديدة في العلاقة بين إسرائيل وحلفائها التقليديين. وبينما لا تزال واشنطن بعيدة عن اتخاذ خطوات عقابية، فإن تآكل الدعم السياسي، وتصاعد الضغوط من أوروبا، والتغير في الرأي العام الدولي، تضع حكومة نتنياهو في زاوية حرجة، وتزيد من احتمالات العزلة السياسية في حال استمرار الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى