تحليلات واراء

الفوضى الممنهجة.. السلاح الإسرائيلي الأخطر في حرب الإبادة على غزة

منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على غزة في السابع من أكتوبر 2023، عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى استخدام السلاح الأكثر خطورة على حاضر ومستقبل القطاع عبر نشر الفوضى الممنهجة وإحداث الفراغ في السلطة وتقويض المؤسسات بهدف تمكين أمراء الحرب والعصابات.

ويريد الاحتلال محاربة المقاومة الفلسطينية بكافة الاتجاهات على رأسها تصعيد الضغط على حاضنتها الشعبية وزرع اليأس في نفوس سكان قطاع غزة عبر تركهم فريسة سهلة للجوع والعوز ومخاطر الفلتان الأمني وجرائم عصابات النهب والسرقة.

ولم يكن مفاجئا على مدار أشهر رعاية الاحتلال الإسرائيلي تأسيس وحماية عصابات إجرامية وأمراء حرب لنهب قوافل الإمدادات الإنسانية وتأزيم الوضع المعيشي في قطاع غزة بالتزامن مع الضربات المكثفة لتقويض دور المؤسسات الحكومية والأهلية.

وحذرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من تداعيات خطيرة للنهج الإسرائيلي قد تؤدي إلى سيناريو مثير للقلق يدفع غزة، في غياب سلطة حاكمة مركزية، إلى أن تصبح خاضعة لسيطرة أمراء الحرب والجريمة المنظمة.

الأسواق السوداء والعصابات

قالت الصحيفة إنه في أوقات الحرب معروفة بظهور الأسواق السوداء والعصابات الإجرامية، والصراع في غزة ليس استثناءً. ففي إحدى الحوادث المزعجة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، نهب مسلحون قافلة من 109 شاحنة مساعدات تابعة للأمم المتحدة.

وعلى مدار العام الماضي، أصبحت تجارة التبغ المحظورة تشكل مشكلة خاصة لقوافل المساعدات الإنسانية، حيث تقوم العصابات المنظمة بنهب شحنات المساعدات بحثاً عن السجائر المهربة داخلها والتي يمكن بيعها بمبلغ يتراوح بين 25 و30 دولاراً لكل منها.

ولفتت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي عمل على مدار نحو 14 شهرا من حرب الإبادة والضربات المكثفة على محاولة ترك القطاع من دون أي مؤسسات حاكمة.

وقالت “إن مثل هذه الفراغات في السلطة تخلق الظروف المثالية لما يسمى بالحكم الإجرامي، حيث تتولى المافيا الإجرامية، المرتبطة أحياناً بالعائلات أو القبائل، قدراً كبيراً من الدور التقليدي للحكومة داخل أراضيها، فيتنافس مع المؤسسات الرسمية الضعيفة”.

وأضافت “قد يتطور الأمر حتى إلى أمراء حرب صريحين، حيث يتم تقسيم الأراضي بين الجماعات المسلحة وتحويلها إلى إقطاعيات تتمتع بالحكم الذاتي” وهو هدف إسرائيلي معلن من أجل تسهيل تنفيذ خطط التطهير العرقي.

وقال بنجامين تي. سميث، الأستاذ في جامعة وارويك في إنجلترا والذي يدرس تاريخ التنظيم: في الأساس، كل دولة تقع في حالة حرب تخلق سوقًا سوداء على الفور، بمجرد وجود أي نوع من التقنين أو القيود الأخرى”.

وتعمل الأسواق السوداء على إثراء وتمكين المجموعات التي تسيطر عليها، مما يؤدي إلى ظهور شبكات الجريمة المنظمة القوية. وفي بعض الحالات ــ كما هي الحال في البلقان، وأفغانستان، وصقلية بعد الحرب العالمية الثانية ــ تتطور إلى كيانات شبه سياسية.

لماذا يستهدف الاحتلال نشر الفوضى؟

ويؤكد مسئولون في منظمات إغاثة دولية أن العصابات الإجرامية المسلحة المدعومة من الاحتلال هي التي تهاجم القوافل يوميا، وليس المدنيين اليائسين في غزة الذين يقومون بأعمال النهب العفوية.

وأبرزت نيويورك تايمز لماذا تريد “إسرائيل” تعزيز الفوضى في غزة: إذ أن الأبحاث تشير إلى أنه لا تزال هناك تكاليف لوجستية واقتصادية مرتفعة للحكم المجزأ وغير الرسمي.

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد اقترحت في الماضي أن العشائر قد تتولى الحكم رسميًا، وهي خطة رفضتها العشائر نفسها بشدة. لكن هذا الرفض الرسمي قد لا يمنع القليل من أفراد عشائر والمجموعات الأخرى من ممارسة السلطة المحلية بحكم الأمر الواقع.

وقالت فاندا فيلباب براون، الخبيرة في شؤون الجماعات المسلحة غير الحكومية في معهد بروكينجز: “الطريقة التي تصنع بها السلطة هي من خلال امتلاك الأسلحة، ولكن أيضًا من خلال توزيعها على السكان، الذين يتضورون جوعًا بالطبع، في ظروف مروعة”.

وحذرت نيويورك تايمز جيران غزة: كلما طال أمد بقاء القطاع من دون أي إدارة مدنية، كلما أصبحت الجماعات المسلحة الأصغر حجماً أكثر قوة وقد تشكل خطرا خارجيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى