من مكرمات الحج إلى مكافآت الخيانة: حين يُكرَّم المحرّضون ويُنسى المستحقون

في كل مواسم الحج، تتكرر المبادرات الملكية أو “المكرمات” التي تمنحها بعض الجهات الرسمية، خصوصًا في السعودية، لمجموعات مختارة من الفلسطينيين، كمبادرة “حج ذوي الشهداء” التي اعتبرت لسنوات لفتة رمزية وإنسانية تستحق الاحترام.
لكن ما شهدناه هذا العام -في خضم حرب الإبادة الجماعية على غزة وحرمان مواطنيها من العمرة والحج- من منح مكرمات خاصة لشخصيات مثيرة للجدل، يفتح بابًا كبيرًا للأسئلة الأخلاقية والسياسية حول آليات منح هذه الدعوات، والأجندة الكامنة خلفها.
فبين “حج ذوي الشهداء”، و”حج البدل”، و”حج الأمراء”، ظهر شكل جديد من الحج الفلسطيني أطلق عليه ساخرون اسم “حج السوشلحية”، أي حج ناشطي السوشال ميديا، الذين لا رصيد لهم سوى تحريضهم على المقاومة، أو خدمة أجندات تخريبية ضد مجتمعهم، ليكافَأوا فجأة وكأنهم أصحاب فضل أو أهل سبق!
ومن بين الأسماء التي أثير حولها جدل واسع، برز حمزة حمزة المصري، الذي حصل على مكرمة حج خاصة هذا العام، دون أي اعتبارات دينية أو نضالية أو اجتماعية واضحة.
إذ لا هو من ذوي الشهداء، ولا هو من المرضى أو كبار السن، بل شاب مدان أخلاقيًا وجنائيًا، هارب من العدالة في قطاع غزة، ومرتبط بشبكة من التحريض والعمل الأمني والإعلامي المشبوه.
حمزة المصري: من مجرم إلى “حاج مكرّم”!
ولد حمزة المصري عام 1986 في بلدة بيت حانون، لكنه لم يورث اسمه سوى العار لعائلته. اتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي وسيلةً للابتزاز والكذب والتشهير، وارتكب سلسلة من الجرائم الأخلاقية والجنائية بحق نساء معوزات في غزة كنّ يطلبن مساعدته، فاستخدم معاناتهن لسرقة التبرعات، وابتزازهن لاحقًا بحجج سخيفة ثبتت لاحقًا بالأدلة لدى الأجهزة الأمنية.
أُلقي القبض عليه بالفعل، واعترف بجريمته، قبل أن يفرّ لاحقًا إلى مصر، ويتحول من مجرم فار إلى أداة في يد مخابرات السلطة الفلسطينية. جُنّد هناك على يد ضباط بارزين، من بينهم “أ.ش” و”زكي السكني”، بناءً على تعليمات من اللواء ماجد فرج، الذي حوله من محتال صغير إلى عنصر في وحدة الإعلام الأمني التابع للسلطة، مهمته تشويه صورة المقاومة عبر حملات رقمية مدروسة.
بين “التبرؤ العائلي” والانحطاط الوطني
لم تقتصر فضائح حمزة المصري على استغلال النساء وسرقة التبرعات، بل انخرط في مخططات تخريبية شملت محاولات تفجير عبر أحزمة ناسفة في مساجد ونقاط مدنية في غزة.
وبعد إفشال هذه المخططات، هرب مجددًا واستمر في مهامه التحريضية، من ضمنها استخدام مريضات فلسطينيات في المستشفيات المصرية لتهريب المخدرات إلى غزة، باستخدام شامبوهات ومواد تجميل تحتوي على مواد مخدرة.
تلك الجرائم دفعت عائلته نفسها إلى التبرؤ العلني منه، في فيديو نشره والده يعتذر فيه لأهالي غزة ويتنصل من كل ما يقوله أو يفعله ابنه، بعد أن استخدم اسم العائلة للتحريض على عائلات شريفة وتلفيق الأكاذيب ضد رموز المقاومة.
مكافأة الخيانة: من جريمة إلى مكرمة!
ورغم هذا السجل الأسود، لم تُفاجئ بعض الأوساط بمنح حمزة المصري مكرمة خاصة لأداء فريضة الحج. لكنّ المفاجأة كانت في الصمت الرسمي، وفي محاولة التغطية على مثل هذه الخطوة التي تمثل إهانة لآلاف الأسر الفلسطينية التي تفقد أبناءها يوميًا في الحرب الدائرة، وتُحرم حتى من أبسط مقومات الحياة، ناهيك عن أداء مناسك الحج.
ما هي الرسالة التي تُبعث اليوم لأمهات الشهداء وجرحى المقاومة؟
ما هي القيمة الأخلاقية لمكرمة تُمنح لمن باع نفسه للمخابرات، وحرّض ضد شعبه، وخدم الاحتلال في حربه النفسية؟
هل أصبح الحج مكافأة على “أداء المهمة”؟ وهل من المروءة أو الدين تحويل الركن الخامس من الإسلام إلى أداة تبييض سياسية لمن سقطوا في مستنقع العمالة والانحطاط؟
شبكة “أفيخاي” وشخصيات الظل
إن تورط حمزة المصري في شبكة “أفيخاي”، المعروفة بكونها أداة حرب نفسية إسرائيلية، يكشف حجم الاستثمار الإسرائيلي في هذه النماذج من “النشطاء”، الذين لا صلة لهم بالمقاومة أو النضال الوطني، بل هم مجرد واجهات لبث الإحباط والتحريض والتطبيع الناعم مع الاحتلال.
وقد استُخدم حمزة تحديدًا خلال وبعد معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، حين ارتدى فجأة ثوب الوطنية، ثم عاد سريعًا إلى مهمته في الطعن بالمقاومة وترويج خطاب الهزيمة والاستسلام، بهدف كسر الحاضنة الشعبية.
الحج بين القداسة والإهانة
الحج فريضة، لا وسيلة لتلميع المجرمين، ولا مكافأة على خيانة الوطن، ولا رشوة صامتة لمواصلة العمل التحريضي.
المكرمات الحقيقية يجب أن تُمنح لأمهات الأسرى، لآباء الشهداء، للجرحى، للمُسنّين الذين ضاعت أعمارهم في صراع البقاء، لا لساقطي الأخلاق ممن يُستخدمون لتدمير الوعي الجمعي الفلسطيني.
ويرى مراقبون تكريم أمثال حمزة المصري ليس حدثًا عابرًا. إنه جزء من سياسة أوسع تسعى لإعادة تعريف “البطل” في الوعي الفلسطيني: من المقاوم إلى المهرج، ومن الشهيد إلى السوشلجي، ومن المُطارد إلى المحرّض.
وإذا لم تتم مواجهة هذه الظاهرة أخلاقيًا وسياسيًا، فإن التواطؤ مع أمثال حمزة المصري لن يكون مجرد سقوط فردي، بل سقوط جماعي في مستنقع تفريغ القضية من محتواها، وتحويل نضال شعب إلى استعراض فارغ على بوابات السفارات ومكاتب المخابرات.






