هكذا أعدم الاحتلال 8 أفراد من عائلة واحدة في غزة
كشفت منظمة حقوقية دولية ملابسات إعدام جيش الاحتلال الإسرائيلي ثمانية أفراد من عائلة واحدة في قطاع غزة في إطار حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ عشرة أشهر.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن القوات الإسرائيلية اقتحمت منزلا في مدينة غزة في 21 ديسمبر/كانون الأول 2023، وألقت قنابل يدوية داخله وأطلقت النار على غرفة كانت تحتمي فيها عائلة مدنية.
واستشهد في الهجوم سبعة أشخاص، بينهم امرأة حامل، وأصاب اثنين بجروح خطيرة، أحدهما طفل عمره خمس سنوات.
ويؤكد الشهود أيضا أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على رجل ضرير عمره 73 عاما بعد تأمين المبنى وإجبار جميع أفراد الأسرة الآخرين على مغادرته. يجب التحقيق في الحادثة باعتبارها جريمة حرب محتملة ومحاسبة القوات المتورطة فيها.
قتل بدم بارد
قالت بلقيس والي، المديرة المشاركة في قسم الأزمات والنزاعات والأسلحة في هيومن رايتس ووتش: “ليس هناك أي عذر لاقتحام الجنود منزل مليء بالمدنيين وإطلاق النار دون احتياطات. لقد قتلوا عائلة فلسطينية ويتّموا طفلا صغيرا قد لا يتمكن من المشي أبدا”.
أجرت المنظمة الحقوقية مقابلات مع ثلاثة من أفراد عائلة الخالدي، اثنان منهم شهدا الهجوم وتمت مقابلتهما عبر الهاتف، وفي يونيو/حزيران 2024 التقوا بفيصل، الطفل المصاب البالغ من العمر خمس سنوات، في قطر، حيث كان يتلقى الرعاية الطبية.
كما حلل الباحثون فيديو تم تحميله على حساب الجيش الإسرائيلي على “إكس” (“تويتر” سابقا)، IDFonline، وتم التحقق من أجزاء منه وتبين أنه صُوِّر بين 20 و21 ديسمبر/كانون الأول.
ويُظهر الفيديو جنودا إسرائيليين ومدرعات إسرائيلية في الجوار، دون وجود قتال دائر أو جنود يتعرضون لإطلاق النار.
قال محمد الخالدي (40 عاما) ومؤمن الخالدي (21 عاما)، وهما ابنا عم، إن قذيفة أصابت منزلا في حي الشيخ رضوان في شمال مدينة غزة، في الليلة بين 20 و21 ديسمبر/كانون الأول، قرب خمس مدارس تؤوي نازحين.
كان محمد ومؤمن و29 آخرين من العائلة في المنزل المجاور، بعد أن فروا من منازلهم عقب اتصال هاتفي من الجيش الإسرائيلي يأمرهم بإخلاء المنزل.
وقالوا إن زوجة شقيق محمد، فاطمة الخالدي (32 عاما)، والتي كانت حاملا في شهرها السابع، أصيبت بكسر في ساقها أثناء القصف.
قال محمد إنه بعد حوالي 30 دقيقة من الهجوم، وصلت القوات الإسرائيلية مع مدرعات وجرافات.
وأضاف محمد: “نظرنا إلى الخارج ورأيناهم يحطمون النوافذ ويسحقون السيارات بدباباتهم ويدمرون خطوط الكهرباء ويدمرون كل شيء آخر يستطيعون تدميره”.
وقد نزح العديد من سكان المنطقة إلى الجنوب، لكن عائلة الخالدي لم تفعل، حيث لم يتمكن أفراد العائلة الأكبر سنا من الفرار بسرعة.
قال كلاهما إن أحدا من سكان المنزل لم يكن مسلحا أو على صلة بأي من الفصائل، ولا يعلمان بوجود أي مقاومين في المنطقة المجاورة في ذلك الوقت.
اقتحام وحشي للمنزل
في حوالي ظهر اليوم التالي، بحسب ما قال مؤمن ومحمد، أطلقت القوات الإسرائيلية قذائف على الطابق الأول من بنايتهم.
ثم، حوالي الساعة 5 عصرا، اقتحم أكثر من 10 جنود إسرائيليين البوابة إلى الفناء، ودون تحذير أو تعرضهم لاستفزاز، ألقوا قنبلة يدوية عبر نافذة الغرفة الأمامية الفارغة للمنزل.
وقال محمد إن الجنود ألقوا بعد ذلك قنبلة يدوية أخرى في الممر الرئيسي للمنزل، ثم مشوا فيه وركلوا بابا وألقوا قنبلتين يدويتين أخريين على الأقل في غرفة كان يحتمي فيها 12 شخصا، منهم مؤمن ومحمد.
وذكر الاثنان أنهما عندما سمعا الجنود يقتربون، أمسكا ببطاقتيهما الشخصيتين ورفعاها عاليا. قال مؤمن إنه أصيب وسقط على الأرض نحو الحائط، وكان عمه أمجد الخالدي (42 عاما) فوقه.
وقال الرجلان إن النساء بدأن بالصراخ ودخل جندي وفتح النار من بندقية آلية على الجميع. كانت فاطمة، التي قُتلت هي وزوجها أحمد، تحتضن فيصل، الذي أصيب بجروح خطيرة.
عندما توقف إطلاق النار، ركض آدم (6 سنوات)، ابن فاطمة، إلى خارج الغرفة عند رؤية والده، شقيق محمد، أحمد الخالدي (34 عاما) “وهو ممدد على الأرض وسط بركة دماء، مثل خروف مذبوح”، كما قال محمد. لم يصب آدم.
قال ابنا العم إن الهجوم أسفر عن مقتل سبعة أفراد من العائلة: فاطمة؛ وأحمد؛ وصهرا محمد، شعبان أبو جبل (33 عاما) وأدهم أبو جبل (20 عاما)؛ ونوال الخالدي (70 عاما) وابناها، رائد الخالدي (49 عاما) وأمجد الخالدي.
أضاف “قال أحد الجنود باللغة العربية: ’من كان على قيد الحياة فليقف‘. وقفتُ فنظر إليّ وقال: ’نجوت يا منيوك؟‘ أخذوني إلى الخارج وقاموا بمسح لوجهي باستخدام جهاز”.
عبد ربه الخالدي، وهو زوج نوال البالغ من العمر 73 عاما، والذي كان ضريرا ولم يصب، لم يغادر الغرفة.
كما أمر الجنود أفراد العائلة الآخرين – جميعهم من الأطفال والنساء – الذين كانوا يحتمون في غرفة أخرى بالخروج.
قال محمد إن الجنود فتشوا الرجال الناجين بعد تعريتهم وفتشوا النساء والأطفال. سألوا عن مكان سكان المنزل الأصليين، فقال محمد إنهم لا يعرفون.
قتل كل من نجا
ثم قال محمد: “سمعنا إطلاق رصاص في الداخل. أعتقد أنهم حينها قتلوا كل من نجا في الداخل. قالوا لنا: ’فرصتكم الأخيرة لتعيشوا هي السير في طابور خلف هذا الجندي‘، سألنا: ’إلى أين تأخذوننا؟‘ فقال: ’اخرسوا وسيروا خلفه‘”.
لم يتمكن مؤمن بدوره من مغادرة الغرفة. وقال: “لم أستطع التحرك، ولم أتمكن من سماع أي شيء لأن الانفجارات أفقدتني السمع مؤقتا. “سرعان ما فقدت وعيي”. وعندما استعاد وعيه في اليوم التالي، أدرك أنه كان مستلقيا تحت كومة من الجثث.
وقال: “لا توجد كلمات لوصف ما شعرتُ به. كل ما أريد أن أعرفه هو لماذا؟ لماذا كان عليّ أن أعيش مجزرة كهذه؟ لماذا فقدتُ كل هؤلاء الناس؟ ماذا فعلنا لنستحق كل هذا؟ لم يكن هناك أي مقاومين في المنزل، ولا أسلحة من أي نوع، فقط مدنيين”.
كانت شظايا معدنية من الانفجار قد أصابت مؤمن في ركبته وعضلة ساقه وقدمه، وأصابت رصاصة فخذه.
قال إنه عندما استعاد وعيه، تمكن من الوصول إلى زجاجة ماء، لكنه سرعان ما فقد وعيه مرة أخرى، ولم يتمكن من استعادة وعيه وسحب نفسه من تحت الجثث إلا في اليوم التالي، ولم يكن قادرا إلا على تحريك يديه.
حينها، كان عبد ربه قد قُتل، ويبدو أن ذلك حدث بعد أن دخل الجنود إلى المنزل بعد إجلاء محمد والآخرين.
عثر محمد على مؤمن عندما عاد بعد أربعة أيام مع طبيب لانتشال الجثث.
قال محمد: “كانت أرجل أمجد ورائد وشعبان قد تهشمت بسبب انفجار القنبلة اليدوية. كانوا يبدون كاللحم المفروم، واخترقت شظايا معدنية بطن ورقبة أحمد. رأيت بطن فاطمة ووجهها مليئين بالشظايا المعدنية. تناثرت الدماء على الحائط. كان أدهم مصابا برصاصة دخلت من فكه وخرجت من مؤخرة رأسه…. كان عبد ربه ميتا أيضا ومصابا بأعيرة نارية”.
وذكر محمد أنه عثر على أكثر من 60 غلاف رصاصة في المنزل.
خضع فيصل لأربع عمليات جراحية في غزة لمعالجة تمزق الأمعاء، وثقب المثانة، وكسور متعددة في الورك، وثلاث عمليات أخرى في قطر.
بعد ستة أشهر من الهجوم، كانت الجبيرة تغطيه من خصره إلى أعلى ساقيه. يقول الأطباء إنه قد لا يستطيع المشي مجددا.
قال عبد الحفيظ الخالدي، عمّ فيصل والوصي عليه الآن، والذي رافقه إلى الدوحة، إن الهجوم غيّر الطفل بشكل كبير: “[فيصل] كان اجتماعيا جدا ومنفتحا. كان دائما مستقلا، يركض ويتحدث مع أشخاص جدد. لم يكن يخاف إطلاقا. الآن إذا ذهبتُ إلى الغرفة الأخرى، يبدأ بمناداتي. لا يمكن تركه بمفرده أبدا.
ذكر مؤمن أنه لم يحصل على تصريح لمغادرة غزة وما يزال في الشمال بدون أدوية، ولم تعالَج إصاباته إلى حد كبير، بما في ذلك تمزق العديد من الأوتار.
حدد أفراد عائلة الخالدي الناجون على الخريطة المنزل الذي وقع فيه الهجوم.
حللت هيومن رايتس ووتش فيديو من سبعة مقاطع نشره الجيش الإسرائيلي على الإنترنت في 24 ديسمبر/كانون الأول.
تظهر في أحدها القوات الإسرائيلية وهي تعمل على بعد أقل من 160 متر من المنزل الذي حدده أفراد عائلة الخالدي.
وجاء في التقرير العسكري الإسرائيلي المصاحب للفيديو أن الوحدات التي تظهر في الفيديو هي “الوحدة 13 شييطت” و”اللواء 401″.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن مقطعا واحدا على الأقل من الفيديو تم تصويره بين صباح 20 ديسمبر/كانون الأول وأواخر بعد ظهر 21 ديسمبر/كانون الأول. ويظهر ما لا يقل عن 17 عسكريا إسرائيليا أمام “مسجد التقوى”، على بعد 170 متر جنوب غرب المنزل.
وفي المنشور نفسه على إكس، نشر الجيش الإسرائيلي صورة فوتوغرافية وقال إنه داهم مدرسة، وجدت هيومن رايتس ووتش أنها تقع على الجانب الآخر من الشارع، وعثر فيها على مخبأ للأسلحة والمتفجرات.
قالت والي: “يسلط هذا الحادث الضوء على التكلفة الباهظة والقاتلة لتقاعس القوات الإسرائيلية عن حماية أرواح المدنيين في غزة، بمن فيهم الأطفال، وفي بعض الحالات استهدافهم على ما يبدو”.
وأضافت “على الحكومات الأخرى أن تضغط على الحكومة الإسرائيلية لإنهاء الهجمات غير القانونية، وتجنب التواطؤ في جرائم حرب محتملة من خلال وقف نقل الأسلحة إلى (إسرائيل)”.