لقاء تطبيعي في ظل مجازر غزة.. “أئمة” في أوروبا عند هرتسوغ في القدس

في مشهد يعكس عمق التآمر والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في ظل أفظع مأساة إنسانية يعانيها الشعب الفلسطيني، استقبل الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ يوم الاثنين في القدس المحتلة وفداً يضم “أئمة مسلمين” من أوروبا، وسط استمرار حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل ضد قطاع غزة المحاصر.
اللقاء، الذي جاء تحت شعار “التعايش بين الأديان”، يُقرأ كصفعة على وجه ملايين الفلسطينيين الذين يشهدون يوميًا مجازر ودمارًا هائلًا، حيث تواصل آلة الاحتلال العسكرية تدمير القطاع وقتل المدنيين الأبرياء، وخصوصًا النساء والأطفال، بينما هؤلاء الأئمة يقفون في صف التطبيع، ويتغاضون عن جرائم الاحتلال، بل ويكرسون له الشرعية بتواجدهم الرسمي في مقره الرئاسي.
وفد التطبيع: من هو ومن يقف وراءه؟
ترأس الوفد الذي زار القدس المحتلة وضم أئمة من فرنسا، بلجيكا، هولندا، المملكة المتحدة، وإيطاليا، الإمام الفرنسي من أصل تونسي حسن الشلغومي، الذي يُعرف في الأوساط الإسلامية بفرنسا بعلاقاته المشبوهة مع الأجهزة الإسرائيلية، وهو أحد أبرز أذرع الموساد الإسرائيلي في أوروبا داخل الجاليات المسلمة.
الشلغومي ليس مجرد إمام عادي، بل رجل يمتهن تشويه المنظمات والفصائل الإسلامية المعارضة للسياسات الإسرائيلية ودول التطبيع العربي، ما يجعل منه عنصرًا نشطًا في سياسة تكريس التطبيع العربي مع الاحتلال.
كما أن المنظمة التي نظمت زيارة الوفد “إلنت” أو “شبكة الريادة الأوروبية”، هي معروفة بتعزيز العلاقات بين أوروبا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وتنظيم فعاليات ومظاهرات داعمة للسياسات الإسرائيلية، بما في ذلك احتجاجات معادية للإسلام والمسلمين.
“التعايش بين الأديان” في زمن الإبادة الجماعية!
أشاد الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ بالوفد واصفًا إياه بأنه خيار بناء الجسور والحوار والإيمان، متجاهلًا تمامًا دماء الأطفال والنساء الذين يسقطون في كل ساعة تحت نيران الطائرات والقنابل الإسرائيلية.
في الوقت الذي يزعم فيه هرتسوغ وأعوانه أنهم يسعون إلى التعايش والسلام، تستمر قوات الاحتلال في ارتكاب أبشع الجرائم بحق المسلمين في غزة، من تدمير متعمد لمساجدهم، واقتحام لأماكن العبادة التي تحولت إلى ملجأ للمواطنين، إلى إهانة الشعائر الإسلامية بشكل مقصود، منها صعود الجنود على منابر المساجد وإقامة طقوس استفزازية كالرقص والغناء.
وبحسب إحصائيات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة، فإن القصف الإسرائيلي استهدف 1109 مساجد من أصل 1244، أي حوالي 89% من المساجد في القطاع، تم تدمير 834 مسجدًا بالكامل، بينما تعرض 275 مسجدًا لأضرار جزئية بالغة جعلتها غير صالحة للاستخدام.
ولم تكتف آلة الحرب الإسرائيلية بذلك، بل دمرت أيضًا 3 كنائس في مدينة غزة، في سلوك يتجاوز حتى الاعتداء على المقدسات الإسلامية إلى استهداف مسيحيي القطاع، مما يكشف عن وحشية الاحتلال وعدوانيته التي لا تعرف حدودًا.
ولم تقتصر هذه الاعتداءات على غزة فقط، بل امتدت لتطال المسجد الأقصى في القدس، والضفة الغربية المحتلة، في حملات متكررة تهدف إلى تهويد القدس المحتلة ومقدساتها، وفرض واقع جديد بالقوة.
التطبيع تحت جنح الظلام: صمت وخيانة ممنهجة
في ظل هذه الجرائم والانتهاكات، فإن اللقاء بين وفد التطبيع والأجهزة الإسرائيلية في القدس يشكل غطاءً رسميًا لمسلسل التآمر والتطبيع مع الاحتلال، الذي يهدد النسيج الإسلامي والمقاومة الفلسطينية.
كان هؤلاء الأئمة الذين يمثلون جاليات مسلمة في أوروبا، بإمكانهم لعب دورا إيجابيا وفاعلا في فضح الاحتلال والدفاع عن حقوق الفلسطينيين، لكنهم اختاروا المسار المعاكس، متغافلين عن دماء إخوانهم في غزة، بل يعززون شرعية الاحتلال من خلال لقاءاتهم الرسمية مع قادته.
وهذا التطبيع، في ذروة الحرب والإبادة، هو خيانة كبيرة لدماء الشهداء ودموع الأمهات، ويمثل استباحة لقضية فلسطين وتدمير لمشروع الوحدة الإسلامية ضد الاحتلال.
المأساة تتكرر.. والمقاومة مستمرة
رغم كل هذه المآسي، تبقى المقاومة الفلسطينية على الأرض، التي لم تتوقف عن الرد على العدوان، وقد أثبتت وقوفها الثابت في وجه محاولات الاحتلال محو وجود الشعب الفلسطيني.
أما هؤلاء الذين يقفون مع الاحتلال، فإنهم يعزلون أنفسهم عن الشعب الفلسطيني ومصيره، ويختارون أن يكونوا جزءًا من آلة التطبيع والتخوين التي تخدم الاحتلال في سياساته الإجرامية.
وعلى الجاليات المسلمة في أوروبا وكل أحرار العالم أن يتحركوا لفضح هذه اللقاءات المقيتة التي تمثل تحالفًا مع القاتل ضد الضحية، وأن يقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني في محنته، لا أن يكونوا شركاء في جريمة استباحة دمائه.
كما أن هذه الخطوة تظهر بوضوح كيف يستغل الاحتلال علاقات معينة لاستعراض “التعايش” الزائف، بينما يقصف الأطفال ويدمر المساجد ويقتل المدنيين في غزة، وهذا ما يدعو كل من يهمه أمر القضية الفلسطينية وحقوق الإنسان للوقوف بحزم ضد هذا التطبيع المشين.