تحليلات واراء

ديفيد هيرست: غزة أظهرت قدرتها على الصمود في وجه الحرب الشاملة

إنهاء الحرب بداية الكابوس الإسرائيلي

قال ديفيد هيرست رئيس تحرير موقع Middle East Eye البريطاني، إن غزة أظهرت لكل الفلسطينيين وللعالم أنها قادرة على الصمود في وجه الحرب الشاملة، وأنها لن تتراجع عن الأرض التي تقف عليها.

وأكد هيرست في مقال مطول له، أن إصرار الشعب الفلسطيني على البقاء على أرضه ـ حتى وهي تتحول إلى أنقاض ـ كان العامل الحاسم في حرب الإبادة الإسرائيلية التي استمرت أكثر من 15 شهرا.

وفيما أبرز صمود المقاومة في غزة وبسالتها، نبه هيرست إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي فشلت على كافة الجبهات، وأنه عندما حانت اللحظة الحاسمة، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو أول من تراجع عن قراره.

وشدد على أن “المزاج السائد في إسرائيل متشكك في مزاعم النصر” الذي تحقق في غزة.

وأشار إلى ما كتبه المحلل الإسرائيلي يوسي يهوشوا في صحيفة يديعوت أحرونوت: “ليس هناك حاجة إلى تجميل الواقع: إن وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى (بصفقة تبادل) أمر سيئ بالنسبة لإسرائيل، ولكن ليس لديها خيار سوى قبوله”.

ولفت إلى تضمن مسودة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بشكل واضح أن الاحتلال الإسرائيلي سينسحب من ممر فيلادلفيا وممر نتساريم بحلول نهاية العملية، وهي الشروط التي رفضها نتنياهو في وقت سابق.

كما أن مسودة الاتفاق تنص بوضوح على أن الفلسطينيين يستطيعون العودة إلى ديارهم، بما في ذلك شمال غزة. وقد فشلت المحاولة لإخلاء المنطقة من سكانها. وهذا هو الفشل الأكبر الذي لحق بالغزو البري الإسرائيلي.

الفشل في إسقاط حماس

قال هيرست إن الرأي العام الإسرائيلي يدرك أن الحرب على غزة تنتهي دون تحقيق أي من الأهداف الرئيسية لإسرائيل.

وأضاف أن الاحتلال شرع في محاولة “إسقاط” حركة حماس والمقاومة بعد الإذلال والصدمة إثر هجوم طوفان الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومن الواضح أنهم لم يحققوا هذا الهدف.

وتابع “لنتأمل هنا بيت حانون في شمال غزة باعتبارها نموذجاً مصغراً للمعركة التي خاضتها حماس ضد القوات الغازية. فقبل خمسة عشر شهراً كانت بيت حانون أول مدينة في غزة تحتلها القوات الإسرائيلية، التي اعتبرتها أضعف كتيبة من كتائب حماس”.

وأضاف “لكن بعد موجة تلو الأخرى من العمليات العسكرية، والتي كان من المفترض أن تؤدي كل منها إلى “تطهير” المدينة من مقاتلي حماس، تبين أن عملية بيت حانون ألحقت واحدة من أثقل التركيزات من الخسائر العسكرية الإسرائيلية”.

وأشار هيرست إلى أن حماس واصلت الخروج من بين الأنقاض للرد، فحولت بيت حانون إلى حقل ألغام للجنود الإسرائيليين. ومنذ إطلاق العملية العسكرية الأخيرة في شمال غزة، لقي 55 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً حتفهم في هذا القطاع، منهم 15 في بيت حانون خلال الأسبوع الماضي وحده.

وشدد هيرست على أن “أي جيش ينزف ويستنزف اليوم هو الجيش الإسرائيلية. والحقيقة العسكرية الواضحة في الحياة في غزة هي أن حماس بعد خمسة عشر شهراً من الحرب أصبحت قادرة على تجنيد وتجديد صفوفها بسرعة أكبر من قدرة الاحتلال على قتل قادتها أو مقاتليها”.

وبهذا الصدد قال أمير أفيفي، العميد الإسرائيلي المتقاعد، لصحيفة وول ستريت جورنال: “نحن في وضع حيث أصبحت وتيرة إعادة بناء حماس أعلى من وتيرة القضاء عليها من قبل [الجيش الإسرائيلي]”.

حرب التحرير معارك إرادة

أبرز هيرست أنه في حرب التحرير، يستطيع الضعفاء والأقل تسليحاً أن ينجحوا في مواجهة الصعوبات العسكرية الساحقة. وهذه الحروب عبارة عن معارك إرادة. وليس المهم هو المعركة، بل القدرة على الاستمرار في القتال.

ونبه إلى أنه “لم يكن الجوع القسري، ولا انخفاض حرارة الجسم، ولا المرض، ولا التهجم والاغتصاب الجماعي على أيدي الغزاة، قادراً على كسر إرادة أهل غزة في البقاء على أرضهم”.

وقال “لم يسبق من قبل أن أظهر المقاتلون والمدنيون الفلسطينيون هذا المستوى من المقاومة في تاريخ الصراع ــ وقد يثبت هذا أنه تحولي”.

وأضاف أن “ما خسرته إسرائيل في حملتها لسحق غزة لا يمكن حسابه. فقد أهدرت عقوداً من الجهود الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية المتواصلة لترسيخ مكانة البلاد كدولة غربية ديمقراطية ليبرالية في نظر الرأي العام العالمي”.

ولم تخسر “إسرائيل” الجنوب العالمي فحسب، الذي استثمرت فيه جهوداً كبيرة في أفريقيا وأميركا الجنوبية، بل خسرت أيضاً دعم جيل في الغرب، بحسب هيرست.

ولفت إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تقف الآن في قفص الاتهام أمام العدالة الدولية أكثر من أي وقت مضى. فليس هناك فقط أوامر اعتقال صادرة بحق نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ولا تزال قضية الإبادة الجماعية مستمرة أمام محكمة العدل الدولية، بل إن عددا لا يحصى من القضايا الأخرى على وشك أن تغمر المحاكم في كل دولة ديمقراطية غربية كبرى.

وبالإضافة إلى ذلك، قرر الجيش الإسرائيلي مؤخرا إخفاء هويات جميع قواته التي شاركت في الحملة في غزة، خوفا من أن يتم ملاحقتهم عند سفرهم إلى الخارج.

وخلص هيرست إلى أن وقف إطلاق النار في غزة لا يعني نهاية الكابوس الفلسطيني، بل بداية الكابوس الإسرائيلي. ولن تكتسب هذه التحركات القانونية زخماً إلا بعد الكشف عن حقيقة ما حدث في غزة وتوثيقها بعد انتهاء الحرب.

الانقسامات الإسرائيلية الداخلية

أشار هيرست إلى أنه في الداخل، سيعود نتنياهو من الحرب إلى بلد منقسم داخليا أكثر من أي وقت مضى. هناك معركة بين الجيش والمتدينين الذين يرفضون الخدمة. وهناك معركة بين الصهاينة العلمانيين والمتدينين القوميين.

ومع تراجع نتنياهو في غزة، يشعر اليمين المستوطن المتطرف بأن فرصة إقامة “إسرائيل الكبرى” قد انتزعت من بين فكي النصر العسكري. وفي الوقت نفسه، كانت هناك هجرة غير مسبوقة لليهود من إسرائيل.

وأشار هيرست إلى أن العالم العربي السُنّي أصبح غاضباً للغاية بسبب أحداث غزة والقمع المستمر في الضفة الغربية المحتلة كما لم يكن من قبل قط.

وقال “الآن سوف تنسحب حماس وغزة من المشهد. فمع الخسائر الهائلة في الأرواح، تأثرت كل أسرة بالخسارة. ولكن ما حققته غزة خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية قد يحول الصراع إلى صراع جديد”.

وأضاف “لقد أظهرت غزة لكل الفلسطينيين ـ وللعالم ـ أنها قادرة على الصمود في وجه الحرب الشاملة، وأنها لن تتراجع عن الأرض التي تقف عليها. وهي تخبر العالم، بكل فخر مبرر، أن المحتلين ألقوا علينا بكل ما لديهم من أسلحة، ولم تحدث نكبة أخرى”.

وتابع قائلا “تقول غزة لإسرائيل إن الفلسطينيين موجودون، وأنهم لن ينعموا بالسلام إلا إذا تحدث الإسرائيليون معهم على قدم المساواة بشأن الحقوق المتساوية”.

وذكر هيرست أنه ربما يستغرق الأمر سنوات عديدة أخرى حتى يدرك الناس هذا الأمر، ولكن بالنسبة لبعضهم فقد أدركوه بالفعل: “حتى لو غزونا الشرق الأوسط بأكمله، وحتى لو استسلم الجميع لنا، فلن نفوز في هذه الحرب”، كما كتب الكاتب يائير أسولين في صحيفة هآرتس.

وختم هيرست قائلا “إن ما حققه كل من بقي في غزة له أهمية تاريخية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى