الإعلام الإسرائيلي ومنصة جسور الإماراتية… تحالف تحريضي متكامل ومنسجم

يبرز في المشهد الإعلامي الراهن تقاطع خطير بين أدوات الدعاية الإسرائيلية ومنصات إعلامية عربية، تتصدرها منصة جسور الإماراتية، التي تحولت إلى نافذة مفتوحة أمام الإعلام الإسرائيلي لترويج خطاب تحريضي ممنهج ضد المقاومة الفلسطينية، ومحاولة ضرب الجبهة الداخلية الفلسطينية عبر سردية “تشويه” المقاومة وتجريمها.
هذا التحالف الإعلامي لا ينفصل عن السياق السياسي الأوسع المتمثل في موجة التطبيع العربي-الإسرائيلي، حيث باتت بعض المنابر الإعلامية الخليجية، ومنها منصة “جسور”، تقدم خدمات إعلامية وسياسية متقدمة تصب في مصلحة الرواية الإسرائيلية.
تطبيع إعلامي يتجاوز الحدود
منصة “جسور” الإماراتية، التي تُسوِّق لنفسها كجسر للتفاهم الثقافي والسياسي بين العرب ودولة الاحتلال، أصبحت قناة مهمة للإعلام الإسرائيلي لإعادة تدوير محتواه الموجه للجمهور العربي، إلى جانب نشر مواد عربية في إطار سياق التحريض من إنتاج المنصة.
بموازاة ذلك كثّفت المنصة نشر مقالات وتقارير تستند إلى صحف إسرائيلية مثل “يديعوت أحرونوت”، و”جيروزاليم بوست”، و”تايمز أوف إسرائيل”، تتناول الأوضاع في غزة والمقاومة الفلسطينية من منظور إسرائيلي صرف، يُحمّل المقاومة مسؤولية الأزمات الإنسانية، ويحرض على محاصرتها داخليًا وخارجيًا.
ليس هذا مجرد ترجمة صحفية أو نقل محايد للأخبار، بل اصطفاف تحريري ظاهر في العناوين، وانتقاء الموضوعات، وصياغة التحليلات التي غالبًا ما تتبنى مصطلحات الدعاية الإسرائيلية، مثل وصف المقاومة بـ”الميليشيات المتطرفة”، أو “جماعات تُجر شعب غزة إلى الدمار”، متجاهلة السياق الاحتلالي الذي خلق هذه الحالة من المقاومة أصلاً.
استهداف الجبهة الداخلية
واحدة من أخطر وظائف هذا التعاون الإعلامي تكمن في محاولة شق الصف الفلسطيني الداخلي.
إذ تنشر منصة “جسور” تقارير تركز على الانقسامات السياسية والفصائلية في غزة، وتصوّر المقاومة كعبء على حياة السكان، وتدفع باتجاه تحميلها مسؤولية كل الأزمات، من انقطاع الكهرباء إلى نقص الغذاء والدواء.
مثل هذه الرسائل جزء أصيل من الخطاب الإسرائيلي الساعي لإيجاد فجوة بين المقاومة وحاضنتها الشعبية، وتحويل السخط المعيشي إلى نقمة سياسية.
وتذهب بعض المواد المنشورة إلى أبعد من ذلك، حين تروج لروايات استخباراتية إسرائيلية تتحدث عن انقسامات داخلية بين الفصائل الفلسطينية، أو مزاعم بوجود تململ شعبي في غزة من سيطرة المقاومة على القرار الأمني والسياسي، في محاولة لتشجيع أي حراك شعبي ضد المقاومة أو إضعاف الثقة بها.
أداة في الحرب النفسية الإسرائيلية
الإعلام الإسرائيلي لا يخوض حربه على المقاومة بالسلاح فقط، بل أيضًا بالحرب النفسية التي تسعى إلى إرباك الشارع الفلسطيني، ونشر الإحباط، والتشكيك في جدوى استمرار المقاومة.
وهنا تأتي أهمية منصة “جسور”، التي تتمتع بخطاب عربي ولغة سلسة، فتستطيع اختراق الحواجز النفسية والثقافية لدى القارئ العربي، مقارنة بالمصادر الإسرائيلية المباشرة التي قد تواجه نفورًا تلقائيًا من الجمهور.
تقدم “جسور” نفسها كمنصة “مهنية ومحايدة”، لكنها تتحرك في إطار اصطفاف سياسي واضح. إذ تمثل أداة ناعمة لإيصال الرسائل الإسرائيلية إلى جمهور عربي ربما لا يطّلع مباشرة على الصحافة العبرية، أو يتردد في متابعتها.
هذه الآلية تجعل “جسور” قناة مثالية لتسويق الرواية الإسرائيلية، تحت غطاء عربي وخليجي “مقبول” بالنسبة للبعض.
تأثير على الخطاب العربي
الأخطر أن هذا التغلغل الإعلامي الإسرائيلي عبر منصة “جسور” يسهم في إعادة تشكيل الخطاب العربي تجاه القضية الفلسطينية.
فهناك محاولة واضحة لتغيير البوصلة الأخلاقية والسياسية، من اعتبار الاحتلال أصل المشكلة، إلى تصوير المقاومة وكأنها هي الأزمة.
هذا التحول ينعكس تدريجيًا في النقاشات العامة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث باتت بعض الأصوات العربية تردد نفس خطاب الإعلام الإسرائيلي حول مسؤولية المقاومة عن معاناة الفلسطينيين.
سياق سياسي أوسع
لا يمكن فصل هذا الدور الإعلامي عن العلاقات السياسية المتنامية بين دولة الاحتلال والإمارات، خاصة بعد اتفاقيات أبراهام. فالتطبيع لم يبق في حدود السياسة أو الاقتصاد، بل تمدد إلى الإعلام والثقافة والفن، ليصبح “تطبيعًا شعبيًا” يهدف إلى تغيير القناعات العربية العميقة حيال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، تعد منصة “جسور” رأس حربة في المعركة الإعلامية لتطبيع الوعي العربي، وهي تؤدي دورًا خطيرًا في غسل صورة دولة الاحتلال، وتجريم المقاومة، وتفكيك السردية الفلسطينية التاريخية.
وعليه فإن اعتماد الإعلام الإسرائيلي على منصة “جسور” الإماراتية ليس مجرد تعاون إعلامي عابر، بل تحالف استراتيجي في حرب الروايات.
فالمنصة تحولت إلى أداة متقدمة لإعادة إنتاج الخطاب الإسرائيلي بلغة عربية محسوبة، لتخدم هدفين أساسيين: التحريض على المقاومة الفلسطينية، وضرب الجبهة الداخلية الفلسطينية عبر شق صفها الشعبي والسياسي.
وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، تبدو مثل هذه المنصات أخطر من مجرد وسيلة إعلامية، لأنها تساهم في إضعاف القناعة العربية بعدالة القضية الفلسطينية، وهو ما تسعى دولة الاحتلال لتحقيقه منذ عقود.