تحليلات واراء

نضال خضرة.. من مستنكف أمني إلى بوق إماراتي في حملة التحريض على غزة

في سياق متصاعد من استهداف المقاومة الفلسطينية ومحاولات ضرب الجبهة الداخلية في قطاع غزة، يبرز اسم نضال خضرة كنموذج فاضح للمرتزقة الإعلاميين الذين تحولوا من عناصر مهمشة في الأجهزة الأمنية إلى أدوات ناعمة في آلة التحريض الإماراتية والإسرائيلية.

خضرة، الذي لم يكن له أي حضور يذكر في الحياة السياسية أو الإعلامية قبل سنوات قليلة، خرج من رحم السلطة الفلسطينية في قطاع غزة بصفته أحد المستنكفين الأمنيين الذين قرروا الانسحاب من مواقعهم الوظيفية تماشيًا مع قرارات المقاطعة الإدارية التي اتخذتها رام الله عقب أحداث 2007.

ورغم غيابه الكامل عن المشهد طوال أكثر من عقد، عاد فجأة إلى الضوء، ليس بوصفه ناشطًا أو محللاً موضوعيًا، بل كصوت مأجور ضمن حملة دعائية منظمة تستهدف المقاومة الفلسطينية من الداخل.

هروب تحت ركام الحرب

عقب أشهر قليلة من بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة أواخر عام 2023، ظهر نضال خضرة خارج القطاع، بعد أن غادره في ظروف غامضة وسط الحصار الإسرائيلي الخانق وقيود التنقل الشديدة.

وتشير مصادر إعلامية إلى أن خروجه جاء بتنسيق مباشر مع جهات مرتبطة بتيار محمد دحلان، القيادي المفصول من حركة فتح والمقيم في أبوظبي، والذي ينشط في تشكيل شبكات نفوذ إعلامية وأمنية موازية لمؤسسات السلطة الرسمية.

لم تمضِ أيام على خروجه من القطاع، حتى بدأ خضرة يظهر على شاشتي العربية والحدث، القناتين المملوكتين بالكامل للنظام السعودي، واللتين تنسّقان بشكل وثيق مع أبوظبي فيما يتعلق بتغطية الشأن الفلسطيني.

وهناك، بدأ في لعب دوره الجديد: اتهام المقاومة بسوء الإدارة، وقصر النظر، وانعدام الوطنية، في سياق حملات تشويه لا تختلف في منطلقاتها ومخرجاتها عن السردية الإسرائيلية الرسمية.

مندوب إعلاني للإمارات

بعيدًا عن التقديم كمحلل سياسي مستقل أو صحفي محترف، سرعان ما تحول نضال خضرة إلى واجهة دعائية لسياسات الإمارات في المنطقة، متبنّيًا خطاب التطبيع والدعوة إلى ما يُسمى “العقلانية السياسية” التي تروج لها أنظمة عربية تواطأت مع الاحتلال الإسرائيلي في حربه المفتوحة على الشعب الفلسطيني.

في منشوراته على وسائل التواصل، وتصريحاته القليلة في الإعلام، يستخدم خضرة لغة أرقام الضحايا والدمار والمعاناة في غزة كسلاح لابتزاز المقاومة وتحميلها المسؤولية الكاملة عن الكارثة، متجاهلاً الدور الإسرائيلي المباشر في تدمير القطاع، وتواطؤ الأنظمة العربية في خنقه ماليًا وسياسيًا.

إنه لا يستخدم هذه المآسي للدعوة إلى دعم غزة أو تعزيز صمود أهلها، بل كأداة في مزايدات سياسية رخيصة، هدفها تشويه صورة المقاومة وتحويل الضحية إلى متهم، بما ينسجم مع أجندة إعلامية خليجية باتت تتطابق مع المصلحة الإسرائيلية.

كما أن خضرة ينشط بشدة في الترويج لما تقدمه الإمارات ودول التطبيع من مساعدات شحيحة لصالح قطاع غزة من أجل تبييض صورة تلك الدول والتغطية على تآمرها على حصار غزة وإبادتها.

عضو في شبكة “أفيخاي”

تكشف متابعة نشاط خضرة عن اندماجه الكامل في ما بات يعرف بـ”شبكة أفيخاي”، وهي مجموعة من الناشطين والمحللين والإعلاميين الذين يكررون خطاب جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل شبه حرفي، مع بعض التعديلات التجميلية، في محاولة لإلباس الدعاية الإسرائيلية ثوبًا فلسطينيًا داخليًا.

وظيفة هذه الشبكة الأساسية، كما تؤكد تقارير بحثية، هي ضرب الثقة بين المقاومة وحاضنتها الشعبية، وزرع الشكوك داخل المجتمع الفلسطيني في غزة تحديدًا، تمهيدًا لقبول أي مشروع تسوية يُفرض من الخارج، سواء عبر أدوات أبو ظبي أو عبر الحلول الإسرائيلية المفروضة بالقوة.

ولا يملك نضال خضرة أي رصيد إعلامي يُذكر، فحساباته على مواقع التواصل نادرة النشاط، وعدد لقاءاته الإعلامية قبل العدوان الأخير يكاد لا يُذكر.

لكن فجأة، وبترتيب سياسي محكم، وجد لنفسه مكانًا دائمًا في وسائل إعلام خليجية، ليس لأنه يحمل وجهة نظر متميزة، بل لأنه يلعب الدور المطلوب تمامًا في التوقيت المطلوب.

التحريض باسم الإنسانية

المفارقة في خطاب خضرة تكمن في ادعائه الدفاع عن المدنيين ومهاجمة ما يسميه “الخطاب الشعاراتي”، بينما يتغاضى بالكامل عن جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال، ويتجاهل الحصار الخانق الذي شاركت في ترسيخه أطراف عربية حليفة له.

في كل ظهور له، يعيد إنتاج خطاب مشوّه يدّعي الواقعية لكنه يُفرغ الكفاح الفلسطيني من مضمونه، ويُمهّد الطريق لفرض حلول على حساب الثوابت الوطنية.

ويبدو أن انتقال خضرة من كونه عنصرًا أمنيًا في سلطة رام الله إلى ناطق إعلامي باسم دحلان وأبو ظبي، لم يغيّر كثيرًا من طبيعة الدور الذي يلعبه. فوظيفته الأساسية كانت وما زالت محاربة تيارات المقاومة، وتمهيد الطريق أمام مشاريع “الأمن مقابل الخضوع” التي تسعى أطراف إقليمية لفرضها على قطاع غزة.

وإن ما يفعله خضرة اليوم لا يخرج عن كونه خدمة إعلامية مأجورة، تهدف إلى شرعنة خطاب الهزيمة، وتجريم خيار المقاومة، وإعادة تسويق مشاريع التنسيق الأمني مع الاحتلال في ثوب جديد.

ونضال خضرة ليس استثناءً، بل هو نتاج طبيعي لتحالف إقليمي يسعى لإعادة تشكيل الوعي الفلسطيني وفقًا لمصالح الأنظمة المطبّعة. ومن خلال أصوات مرتزقة مثله، يتم بث خطاب انهزامي يُحمّل الضحية مسؤولية المجزرة، ويبرر خيانة القضية تحت مسمى “العقلانية السياسية”.

لكن التجربة أثبتت أن أصواتًا كهذه لا تصمد طويلًا أمام وعي الجماهير، وأن الحملة المنظمة لتحطيم صورة المقاومة ستفشل كما فشلت من قبل، لأن الدم الفلسطيني لا يُشترى بمنصّة ولا يُباع في بثّ تلفزيوني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى