معالجات اخبارية

الاحتلال يفرض قواعد صارمة جديدة على منظمات الإغاثة الدولية

في خطوة جديدة لتقييد عمل منظمات الإغاثة غير الحكومية، فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تطبيق قواعد جديدة شاملة تتعلق بالتأشيرات وتسجيل المنظمات الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية.

وتقول جماعات الإغاثة إن هذه القيود ستؤدي إلى تسييس العمل الإنساني، وتعريض الموظفين المحليين والدوليين للخطر، وتقويض جهود الإغاثة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبحسب صحيفة ” واشنطن بوست” تمنح الإجراءات الجديدة، السلطات الإسرائيلية صلاحيات واسعة لرفض تسجيل المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدة للفلسطينيين، وذلك استنادًا إلى معايير مشددة.

ويشمل ذلك ما إذا كانت المنظمة أو موظفوها قد دعوا في أي وقت إلى مقاطعة “إسرائيل”، أو أنكروا وجودها “كدولة يهودية وديمقراطية”، أو أعربوا عن دعمهم لإجراءات قانونية ضد مواطنين إسرائيليين في محاكم دولية بسبب أفعالهم أثناء الخدمة العسكرية أو الأمنية.

وتشعر منظمات الإغاثة بقلق خاص إزاء بند يلزمها بتقديم أسماء وبيانات الاتصال وأرقام الهوية لموظفيها الفلسطينيين، وهو ما يبرره الاحتلال الإسرائيلي بضرورة التحقق من عدم وجود صلات لهم بجماعات مسلحة.

لكن مع مقتل أكثر من 300 من العاملين في المجال الإنساني خلال الحرب على غزة، معظمهم من الفلسطينيين، ترى المنظمات أن تسليم هذه البيانات لطرف منخرط في النزاع أمر “إشكالي للغاية”، بحسب ما أفاد به أحد العاملين في مجال الإغاثة في القدس، والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته خوفًا من انتقام السلطات الإسرائيلية.

وتسجيل المنظمات الإنسانية الدولية لدى السلطات الإسرائيلية يعد أمرًا إلزاميًا للراغبين في العمل داخل الأراضي الفلسطينية، التي يسكنها نحو 5 ملايين فلسطيني.

وهذا التسجيل يسهل الحصول على التأشيرات والتراخيص اللازمة والمعاملات المالية، إلى جانب أمور لوجستية أساسية أخرى لعمليات الإغاثة واسعة النطاق.

جزء من استراتيجية التجويع

رغم أن العديد من هذه المنظمات تعمل في الأراضي المحتلة منذ عقود، فإن قرار تقييد أنشطتها يأتي ضمن جهود أوسع تبذلها الحكومة الإسرائيلية لتقييد إيصال المساعدات إلى غزة، وتقليص الحيز السياسي والقانوني الذي تتحرك فيه المنظمات الإنسانية، بحسب ما أفاد به عاملون في الإغاثة.

وتزعم دولة الاحتلال أن الهدف من الإجراءات الجديدة هو ضمان تنفيذ عمليات الإغاثة “بما يتماشى مع المصالح الوطنية الإسرائيلية”، وفقًا لبيان أعلنت فيه عن التغييرات، وبمثابة تحسين لنظام التسجيل القديم.

ومع ذلك، تواصل “إسرائيل” تكرار مزاعمها، دون تقديم أدلة، بأن المساعدات المتجهة إلى غزة يتم تحويلها إلى فصائل المقاومة، وهو ادعاء تنفيه وكالات الإغاثة.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف إدخال الغذاء والوقود والإمدادات الأخرى إلى غزة.

وخلال الحرب، التي استمرت 15 شهرًا، حافظت الوكالات الإنسانية على وجود قوي على الأرض، دعمت المستشفيات وقدمت الإغاثة الإنسانية، في وقت اتهمت فيه “إسرائيل” بإطلاق النار على قوافل المساعدات ومنع دخول الإمدادات.

وزعم عميحاي شيكلي، وزير شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية في الحكومة الإسرائيلية، إن اللوائح الجديدة “تمثل تحولًا جذريًا في سياسة إسرائيل تجاه الكيانات الأجنبية التي، تحت غطاء العمل الإنساني، تسعى إلى تقويض الدولة، والترويج للمقاطعة، وتشويه سمعتها”.

ويتولى شيكلي قيادة لجنة جديدة مكلفة بالموافقة أو رفض طلبات التسجيل، وتتألف هذه اللجنة من ممثلين عن مختلف الجهات الحكومية، بما في ذلك وكالات الاستخبارات والأمن، رغم أن كثيرًا منها لا يتعامل مباشرة مع منظمات الإغاثة، وفقًا لخبراء قانونيين.

وقال المحامي الحقوقي الإسرائيلي مايكل سفارد إن اللجنة “لا تملك أدنى فهم لالتزامات “إسرائيل” الإنسانية بموجب القانون الدولي”.

وينص القانون الدولي على أن “إسرائيل”، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال في الضفة الغربية وغزة، مطالبة بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان الفلسطينيين.

تجاهل للقرارات الدولية

في العام الماضي، أمرت محكمة العدل الدولية الحكومة الإسرائيلية باتخاذ “تدابير فورية وفعالة” لحماية الفلسطينيين في غزة من خطر الإبادة الجماعية، من خلال ضمان إيصال المساعدات والخدمات الأساسية. وفي رأي استشاري منفصل في يوليو، شددت المحكمة على أن “إسرائيل” ملزمة بضمان توفير الغذاء والمياه للسكان المحليين بشكل كاف.

لكن وزارة شؤون الشتات الإسرائيلية قالت هذا الأسبوع إن على حوالي 170 منظمة دولية، منها أوكسفام، وأطباء بلا حدود، والمجلس النرويجي للاجئين، إعادة التقدم بطلب التسجيل خلال ستة أشهر أو مواجهة إلغاء تسجيلها، مع مهلة سبعة أيام فقط للطعن على القرار.

وجاء هذا الإعلان بعد أن رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية طعنًا قانونيًا قدمته رابطة وكالات التنمية الدولية (AIDA)، وهي منتدى يضم أكثر من 80 منظمة تعمل في الأراضي الفلسطينية. واعتبرت الرابطة أن القرار يتعارض مع القانون الإسرائيلي وينتهك المبادئ الإنسانية الدولية.

ونشرت الوزارة بعد ذلك قائمة بالوثائق المطلوبة للتسجيل، بما في ذلك أسماء وعناوين وأرقام جوازات السفر لجميع الموظفين الأجانب وشركائهم أو أطفالهم، بالإضافة إلى معلومات تفصيلية عن الجهات المانحة ومصادر التمويل الأخرى، وسجلات التعاون مع منظمات أخرى أو وكالات تابعة للأمم المتحدة.

وقال أحد كبار العاملين في الإغاثة في المنطقة: “الوضع أسوأ مما كنا نتوقع، هذا أحد أكثر الأوقات المثيرة للقلق التي شهدناها كمنظمات إنسانية منذ وقت طويل”.

وتواجه المنظمات تحديات كبيرة، نظرًا للضغوط الملقاة على موظفيها الذين أنهكتهم الحرب، ولقلة الموارد بعد أن جمدت إدارة ترامب معظم المساعدات الخارجية.

وقال شون كارول، رئيس منظمة الإغاثة الأمريكية للشرق الأدنى (Anera)، التي تعمل في الضفة الغربية وغزة والأردن ولبنان منذ أكثر من 55 عامًا: “قد تضطر بعض المنظمات، وربما جميعها، إلى القول ‘لا يمكننا العمل في ظل هذه الظروف’، وهذا لن يكون في مصلحة أحد”.

وأضاف: “نحن مسجلون حيث يجب أن نكون، ونمارس عملنا بما يتوافق مع القوانين، لكن إذا غيرت أي حكومة من موقفها تجاهنا دون سبب، فسيصبح ذلك مشكلة”.

تكلفة محتملة لأنشطة الإغاثة

يتساءل مسؤولو الإغاثة عما إذا كان ينبغي عليهم التركيز على تقديم الخدمات الإنسانية على الأرض، لا سيما في غزة، رغم التكلفة المحتملة المتمثلة في التراجع عن أدوارهم في التوعية والدفاع عن حقوق الإنسان.

وقالت المحامية الحقوقية أليغرا باتشيكو، رئيسة وحدة حماية الضفة الغربية، إن للمنظمات الإنسانية دورًا أساسيًا في الدفاع عن حقوق المدنيين بموجب القانون الدولي الإنساني.

لكنها حذرت من أن اللوائح الجديدة قد تستخدم لمعاقبة المنظمات الأكثر انتقادًا لإسرائيل، لا سيما أن أحد البنود يسمح للجنة برفض تسجيل أي منظمة “تروج بنشاط لحملات نزع الشرعية عن إسرائيل”.

وأضافت: “إذا طالبت بتطبيق القانون الدولي، فقد يتم اعتبارك معاديًا لإسرائيل”.

وفي هذا الشهر، وصفت منظمة أوكسفام البريطانية القرار الإسرائيلي بحظر دخول المساعدات إلى غزة بأنه “عمل طائش من العقاب الجماعي المحظور صراحة بموجب القانون الإنساني الدولي”.

كما قالت منظمة “أنقذوا الأطفال” البريطانية إن القرار بمثابة “حكم بالإعدام على أطفال غزة”، فيما اتهمت منظمة “أطباء بلا حدود” إسرائيل باستخدام المساعدات “كأداة تفاوض”.

وختم أحد كبار مسؤولي الإغاثة حديثه قائلًا: “إنها لحظة خطيرة لغزة، ولكنها تضع أيضًا سابقة خطيرة على مستوى العالم”.

وأضاف: “لا نعرف حتى ما إذا كنا سنبقى هنا بعد بضعة أشهر، وهذا الأمر يصيبنا بالشلل. هل نحاول بكل السبل البقاء لخدمة الناس الأكثر احتياجًا في غزة؟ أم نتمسك بمبادئنا ونرفض الانصياع؟ لا نعرف الإجابة بعد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى