معالجات اخبارية

الموت البطيء لغزة: منع المساعدات يدفع المدنيين إلى حافة الهاوية

يواصل الاحتلال الإسرائيلي منع وصول المساعدات الإنسانية الحيوية، وخاصة الغذاء، إلى قطاع غزة الذي مزقته الحرب منذ أكثر من 52 يوماً، وهو ما يمثل أطول حصار للمساعدات منذ بداية الحرب الإبادة الجماعية قبل أكثر من 18 شهراً وهو ما يدفع المدنيين إلى حافة الهاوية.

وقد أدى حرمان الأراضي الفلسطينية المحاصرة من الموارد الأساسية، مما أدى إلى نقص كارثي في الغذاء والمياه النظيفة والمأوى والإمدادات الطبية، إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المروعة بالفعل هناك، كما ذكرت العديد من منظمات الإغاثة والحقوق المحلية والدولية.

في حين أن القصف الإسرائيلي العشوائي على غزة قد أودى بحياة أكثر من 51 ألف فلسطيني حتى الآن، فإن أكثر من 2.3 مليون من سكان القطاع الضيق يواجهون الآن تهديداً أعظم ــ المجاعة التي قد تؤدي إلى الموت الوشيك للسكان بأكملهم، مع تعرض الفئات الأكثر ضعفاً، مثل كبار السن والأطفال، لأعلى مستويات الخطر.

في الأسبوع الماضي، أطلق أطباء الأطفال في مجمع ناصر الطبي، أحد أكبر المستشفيات التي لا تزال تعمل في جنوب غزة، ناقوس الخطر بشأن الخطر الذي يهدد حياة الأطفال حديثي الولادة، وذلك في المقام الأول بسبب النقص الحاد في أغذية الأطفال والأدوية بسبب الحصار الإسرائيلي.

وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بزيادة مذهلة بلغت 80 في المائة في حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال من فبراير/شباط إلى مارس/آذار، مع إدخال 3696 طفلاً جديداً لتلقي العلاج.

وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير إن “استهلاك الغذاء في غزة تدهور بشكل حاد بسبب الحصار المفروض على دخول المساعدات الإنسانية وغيرها من الإمدادات الحيوية والذي دخل الآن أسبوعه السابع”.

واضطر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إلى إغلاق جميع المخابز التي يديرها في مختلف أنحاء القطاع بسبب النقص الحاد في الوقود والدقيق، مما يجعل معظم السكان يعتمدون على وجبة يومية واحدة تقدمها مطابخ الأمم المتحدة.

ولا يستطيع غالبية سكان غزة اليوم الحصول على الغذاء الطازج، بما في ذلك اللحوم ومنتجات الألبان والبيض والخضروات والفواكه، مما يدفعهم إلى حافة سوء التغذية.

ويحذر الفلسطينيون ووكالات الإغاثة وجماعات حقوق الإنسان من أن إسرائيل تستخدم القصف والتجويع للضغط على الناس لإجبارهم على الرحيل – وهي خطة تذكرنا باقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المثير للجدل بشأن النزوح القسري لسكان غزة إلى الدول العربية المجاورة.

في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوائل فبراير/شباط، قال قطب العقارات الذي تحول إلى رئيس إنه “سيسيطر” و”يمتلك” قطاع غزة، مما يعني النزوح الدائم للفلسطينيين من المنطقة التي مزقتها الحرب.

وبدعم من الولايات المتحدة، حليفتها الأقوى في عهد إدارة ترامب، فإن إسرائيل واثقة من قدرتها على الحفاظ على الحصار مع الحد الأدنى من الرد الدولي، وفقا للخبراء.

جدول زمني لاستخدام المساعدات كسلاح

على مدى 565 يوماً من حربها المدمرة على قطاع غزة، دأبت دولة الاحتلال على استغلال المساعدات الغذائية والإنسانية كسلاح كوسيلة لممارسة الضغط الجماعي على الشعب الفلسطيني.

في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبعد يومين فقط من بدء الحرب الإبادة الجماعية على غزة، أعلن الاحتلال “حصارًا شاملاً” على قطاع غزة، مما أدى فعليًا إلى وقف دخول الموارد الحيوية مثل الغذاء والماء والأدوية والوقود والكهرباء.

في ذلك الوقت، تعهد وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت باتخاذ إجراءات ضد “الحيوانات البشرية” وأمر بفرض “حصار كامل”، مما أدى فعليًا إلى إزالة الصفة الإنسانية عن جميع الفلسطينيين في غزة.

وفي حين اضطر الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق إلى السماح لعدد محدود من شاحنات المساعدات بالدخول إلى غزة بعد الضغوط الدولية، فإن الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية استمرت في الإبلاغ عن أن كمية المساعدات التي تدخل غزة لا تزال غير كافية على الإطلاق لتلبية احتياجات سكانها الذين يشكل الشباب أغلبيتهم الساحقة.

وقد سمحت الهدنة المؤقتة التي تم التوصل إليها في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بزيادة طفيفة في المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة، رغم أنها لا تزال تعتبر غير كافية.

علاوة على ذلك، شنّ الجيش الإسرائيلي هجمات إبادة جماعية عديدة على قوافل المساعدات، ما أدى إلى قتل عدد لا يُحصى من الفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون استلام المساعدات، في ظل إفلات تام من العقاب.

وبحسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أدت الحرب إلى “انهيار كامل للنظام المدني” في غزة، حيث أدت الظروف المزرية الناجمة عن الهجمات البرية الإسرائيلية والدمار الواسع النطاق في جميع أنحاء المنطقة إلى مهاجمة قوافل المساعدات ونهبها.

وأظهرت لقطات مصورة تم التقاطها عند نقاط التفتيش في الضفة الغربية المحتلة مجموعات من المستوطنين الإسرائيليين غير الشرعيين وهم يعرقلون شاحنات المساعدات في طريقها إلى قطاع غزة الذي مزقته الحرب، مع مشاهد تظهرهم وهم يلقون عبوات الطعام على الطريق، ويمزقون أكياس الحبوب، وحتى يشعلون النار في المركبات.

وعلاوة على ذلك، فإن الضربات الإسرائيلية العديدة التي استهدفت قوافل المساعدات وأسفرت عن قتل المئات من عمال الإغاثة دفعت العديد من منظمات الإغاثة الدولية إلى تعليق مساعداتها للفلسطينيين مؤقتًا أو وقفها بشكل دائم.

ففي الأول من أبريل/نيسان 2024، تعرضت قافلة مساعدات من مطبخ العالم المركزي (WCK) عمداً لغارات جوية إسرائيلية بطائرات بدون طيار، مما أدى إلى قتل ستة من عمال الإغاثة الدوليين وسائق فلسطيني بشكل مأساوي.

وطوال الشتاء الماضي، ومع انخفاض درجات الحرارة، فرضت إسرائيل قيودًا مشددة على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وفي الوقت نفسه، فرض الاحتلال حصارًا شاملًا على شمال غزة، معلنًا المنطقة بأكملها منطقة قتال، ومصدرًا أوامر إخلاء قسري لمئات الآلاف من الفلسطينيين.

وفي يناير/كانون الثاني، اضطر الاحتلال الإسرائيلي إلى الموافقة على وقف إطلاق النار مع حركة حماس، بعد فشله في تحقيق أي من أهداف حربه، بما في ذلك القضاء على جماعة المقاومة التي تتخذ من غزة مقراً لها.

وسمح تطبيق وقف إطلاق النار بزيادة ملحوظة في المساعدات الإنسانية الداخلة إلى غزة. وأكدت منظمات الإغاثة أن هذا المستوى من المساعدات يجب أن يستمر لفترة طويلة لاستعادة ما يشبه الحياة الطبيعية في المنطقة.

ورغم السماح بدخول المزيد من الشاحنات إلى غزة بعد تنفيذ وقف إطلاق النار، إلا أن حجم المساعدات ظل أقل من المستويات المتفق عليها.

وفي الثاني من مارس/آذار، وللمرة الثانية منذ بدء الحرب، فرضت دولة الاحتلال وقفًا تامًا على دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى غزة. ولا يزال هذا القرار ساريًا حتى يومنا هذا.

وفي حينه جاء هذا التطور الأخير قبل أسبوعين فقط من انتهاك النظام الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة الذي استمر شهرين، واستئناف الهجمات الجوية والبرية على القطاع. وأدى العدوان المتجدد إلى قتل مئات الفلسطينيين وإصابة الآلاف بجروح.

“لا اتفاق، لا وقف لإطلاق النار، لا مساعدات”

منذ بداية الحرب المدمرة، أفادت الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات الدولية، إلى جانب عمال الإغاثة، بشكل مستمر بأن السلطات الإسرائيلية تعيق عمداً دخول عدد كبير من شاحنات المساعدات المخصصة للدخول إلى غزة.

وأصبح التجويع سياسةً مُعلنةً بين المسؤولين الإسرائيليين. وقد دعا شخصياتٌ بارزة في النظام، مثل الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، مرارًا وتكرارًا إلى منع وصول جميع المساعدات الإنسانية، والاحتلال العسكري لغزة، مُفضّلين هذا الخيار على أي وقف إطلاق نار محتمل.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أكد سموتريتش أنه سيواصل الحصار الكامل للمساعدات التي تدخل قطاع غزة.

وفي الأسبوع الماضي، دعا بن جفير في منشور على موقع X إلى منع “غرام واحد من الغذاء أو المساعدات” من دخول قطاع غزة المحاصر في ظل استمرار تل أبيب في هجومها الدموي على غزة.

خطة الجنرال

اعترف بعض مسؤولي الاحتلال الإسرائيلي صراحة بأن هدف تجويع شعب غزة هو دفع الفلسطينيين إلى مغادرة أراضيهم، وهي الاستراتيجية التي أدانتها منظمات حقوق الإنسان باعتبارها محاولة للتطهير العرقي.

ويخشى الفلسطينيون، إلى جانب الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة، من أن يكون الاحتلال الإسرائيلي ينفذ تدريجيا جوانب من ما يسمى بالتكتيك المعروف باسم “خطة الجنرالات” لتطهير غزة.

وكان تم اقتراح هذه الخطة في البداية من قبل مجموعة من الضباط الإسرائيليين المتقاعدين بقيادة الجنرال المتقاعد جيورا إيلاند لتكثيف الضغوط على سكان الشمال بأكملهم، بما في ذلك من خلال التجويع.

وفي نهاية شهر مارس/آذار، صوتت ما يسمى بالمحكمة العليا الإسرائيلية بالإجماع على رفض الالتماس الذي تقدمت به عدة منظمات حقوق إنسان تطالب باستئناف تسليم المساعدات الإنسانية إلى غزة.

وبموجب نظام روما، وهي المعاهدة التي أنشئت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية، فإن تجويع السكان عمداً يشكل جريمة حرب عندما تُرتكب أثناء نزاع مسلح.

وفي مارس/آذار 2024، قضت محكمة العدل الدولية، وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، بأن إسرائيل يجب أن تضمن إيصال المساعدات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والمياه والوقود والإمدادات الطبية، إلى غزة.

وقد استمرت دولة الاحتلال في تحدي هذا الأمر الملزم قانونًا، ونتيجة لذلك، حرم 2.3 مليون شخص في غزة، أكثر من نصفهم من الأطفال، من المساعدات الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

وبحسب السكان والمسعفين والعاملين في المجال الإنساني، فقد انزلقت غزة إلى أعماق جديدة من اليأس بسبب الحصار العسكري الإسرائيلي غير المسبوق، والذي يدخل الآن أسبوعه الثامن.

وأعلن برنامج الأغذية العالمي في 31 مارس/آذار أن إمداداته الإغاثية إلى غزة قد استنفدت بالكامل. وقد أدى إغلاق المعابر إلى استحالة جهود إعادة الإمداد، مما أدى إلى نتائج كارثية، وفقًا للبرنامج.

وقد ارتفعت أسعار السلع في السوق الحالية في غزة بنسبة 1400% فوق مستويات وقف إطلاق النار، بحسب أحدث تقييم من منظمة الصحة العالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى