The Intercept: الأطفال يموتون جوعاً في غزة بينما يقتل الجنود الباحثين عن الطعام

سلطت موقع The Intercept الأمريكي الضوء على المحنة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة حيث يموت الأطفال جوعاً بينما يقتل جنود الاحتلال الإسرائيلي المدنيين الباحثين عن الطعام.
وذكر الموقع أنه في عيادات غزة ومستشفياتها المكتظة، يواجه الأطباء وخبراء التغذية واقعاً يومياً مؤلماً: الأطفال يقضون أمام أعينهم، غير قادرين على الوقوف واللعب، وبالكاد يستطيعون التنفس.
وترتكب القوات الإسرائيلية مجازر بحق المدنيين في مواقع توزيع الغذاء يوميًا. يوم الثلاثاء وحده، قتل الجنود ما لا يقل عن 70 شخصًا وجرحوا المئات أثناء محاولتهم الحصول على الطعام في موقع التوزيع الذي أقامته سلطات الاحتلال والولايات المتحدة.
وقد أطلق الجنود النار على الناس بقذائف الدبابات والطائرات المسيرة والرشاشات أثناء محاولتهم الحصول على الطعام.
حالة طوارئ إنسانية
لم يعد سوء التغذية يشكل تهديداً وشيكاً؛ بل أصبح حالة طوارئ إنسانية كاملة تتفاقم بسبب الإبادة الجماعية المتواصلة والحصار والانهيار المنهجي للبنية التحتية للرعاية الصحية في غزة.
ومع استمرار الإبادة الجماعية في غزة بعد انتهاك دولة الاحتلال لوقف إطلاق النار منذ أشهر، يصف الأطباء والأمهات في مختلف أنحاء القطاع كارثة تتكشف معالمها: أزمة سوء تغذية حادة ومتسارعة بين الأطفال، والتي إذا تركت دون رادع، فقد تودي بحياة الآلاف.
وأدى الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 80 يوماً، والذي فرض إغلاقاً صارماً على المعابر ومنع وصول المساعدات، إلى قتل أكثر من 350 شخصاً، معظمهم من الأطفال.
شواهد من المأساة
أنجبت بتول أبو علي ابنتها إيلين حلاق في 21 مايو/أيار 2024، في خضم فوضى الحرب. والآن، بعد مرور عام واحد فقط على ولادتها، بدأت إيلين تظهر عليها علامات سوء التغذية.
تقول بتول: “كانت صحتها أفضل في السابق. أما الآن، فنظامها الغذائي يفتقر إلى الفواكه والخضراوات واللحوم ومنتجات الألبان – كل ما يحتاجه الطفل. لا أستطيع إطعامها إلا مرتين يوميًا: ربما بعض الطماطم أو الكوسا أو البطاطس أو العدس أو البسكويت المدعم”.
وتواجه بتول صعوبة بالغة في إيجاد الحليب لطفلها. “لا أحد يستطيع أن يرى طفله جائعًا. أبذل قصارى جهدي لإيجاد الطعام، لكنه لا يكفي أبدًا”.
تلقت بتول بعض التوجيهات من متخصصين، ووُصفت لها بسكويتات غذائية ومعجون زبدة الفول السوداني لإيلين، لكن الحصول عليها غير منتظم.
تقول: “أصبتُ بالاكتئاب. كل ما أريده هو أن أبقي طفلتي الصغيرة الجميلة إيلين على قيد الحياة”. تُترك الأمهات مثل بتول أمام خيارات مستحيلة، محاولة الحفاظ على حياة أطفالهن في انتظار فتح المعابر.
علامات صارخة لسوء التغذية
الدكتورة سوزان معروف، أخصائية تغذية سريرية في جمعية أصدقاء المريض الخيرية في مدينة غزة، تقول: “يفقد الأطفال وزنهم بسرعة. وتظهر عليهم جميع العلامات: الهزال، واصفرار الجلد، وتساقط الشعر، وهشاشة الأظافر”.
تشير الدكتورة معروف إلى ارتفاع حاد في حالات سوء التغذية منذ بداية الحرب، والذي تفاقم بسبب إغلاق المعابر الحدودية منذ مارس الماضي.
وتوضح قائلةً: “حتى عندما يتوفر الطعام، تبقى أسعاره باهظة. معظم العائلات، وخاصةً الكبيرة منها، لا تستطيع ببساطة توفير وجبات مغذية لأطفالها”.
وتضيف: “المواليد الجدد وأمهاتهم معرضون للخطر بشكل خاص بسبب النقص الحاد في حليب الأطفال، ومنتجات النظافة، ومكملات الأمومة”.
في جمعية الأصدقاء الخيرية، تتابع الدكتورة معروف حاليًا أكثر من 3500 طفل بانتظام، مع ظهور المزيد من الحالات الجديدة يوميًا.
وتشير إلى تفشي سوء التغذية بأنواعه المتوسطة والشديدة، حيث يعاني الأطفال من نقص الفيتامينات والمعادن. في هذه الحالة، تبدأ أجسامهم باستهلاك مخزونها الغذائي، مما يؤدي إلى الإرهاق وتأخر النمو البدني والإدراكي.
لا علاج متوفر
يكاد يكون علاج سوء التغذية في غزة مستحيلاً. تؤكد الدكتورة معروف: “مع الحصار، لا نستطيع الحصول على الغذاء العلاجي، أو البسكويت المدعم، أو التغذية الطبية. وحتى عندما نكتشف الحالات مبكراً، لا نملك المكملات الغذائية اللازمة لمنع تفاقمها”.
وترسم الدكتورة رنا زعيتر، رئيسة قسم التغذية السريرية في مستشفى العودة في النصيرات وسط قطاع غزة، صورة قاتمة للوضع: “نحن غارقون في المعاناة”.
تقول “كل يوم، نرى المزيد من الأطفال يصلون مصابين بفقدان شديد في الوزن، وفقر دم، وأعراض نقص المناعة. الأطفال ضعفاء جدًا لدرجة أنهم لا يستطيعون مقاومة العدوى. يعانون من أمراض معوية مستمرة، ويشعرون بالخمول والدوار، وغالبًا ما يعجزون عن اللعب أو الوقوف. يعاني بعضهم من تقوس الساقين – وهي علامة واضحة على الكساح ونقص الكالسيوم”.
تُعزي الدكتورة زعيتر ارتفاع عدد الحالات إلى استمرار المجاعة، وإغلاق المعابر لأكثر من 80 يومًا، وتفاقم الفقر. وتقول: “لا تستطيع الأمهات إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية سليمة بسبب سوء التغذية. حليبهن غير كافٍ ولا يُشبع. يبكي الأطفال باستمرار من الجوع”.
وتضيف: “تلد النساء الحوامل أطفالًا ناقصي الوزن قبل أوانهم، لأن أجسادهن لم تعد قادرة على تحمل أعباء الحمل”.
وتشير إلى أن ما يقرب من ثلث حالات الأطفال في مستشفى العودة تعاني الآن من سوء تغذية متوسط أو حاد. يتبع المستشفى بروتوكولات العلاج الصادرة عن منظمة الصحة العالمية واليونيسف، إلا أن النقص الحاد في الإمدادات – بما في ذلك الأغذية العلاجية، والبسكويت المدعم، وزبدة الفول السوداني عالية الطاقة، وحليب الأطفال – قد أعاق قدرته على علاج المرضى بفعالية.
يُعدّ الحصول على العلاج مصدر قلق متزايد. يقول بعض السكان: “تعيش العديد من العائلات بعيدًا عن العيادات العاملة، ولا تتوفر وسائل نقل للوصول إلى العيادات والاطمئنان على أطفالهم”.
ويضيفون: “العيادات المتبقية تعاني من نقص في الأدوية وضغط هائل. علاوة على ذلك، يرفض العديد من الأطفال تناول المكملات الغذائية، وليس لدينا بدائل”.
في غزة، أصبح الحفاظ على حياة طفل رضيع ضربًا من المقاومة والصمود. الأطباء وخبراء التغذية والأمهات على حد سواء يناشدون ويطالبون بفتح المعابر، والسماح بدخول المساعدات، ووقف المجازر. وإلا، سيستمر أطفال غزة في الهزال، ويتضورون جوعًا، قبل أن تتاح لهم فرصة البدء ورسم خطواتهم الأولى في حياتهم.