إسرائيل خسرت الحرب على غزة… لكنها لا تدري بعد

أكد رئيس تحرير موقع Middle East Eye البريطاني ديفيد هيرست، أن دولة الاحتلال الإسرائيلي خسرت الحرب على غزة بالفعل لكنها لا تدري بعد، في وقت شدد على صمود القطاع الفلسطيني رغم حجم المجازر الدموية.
وقال هيرست في مقال له، إنه على مدار شهور، لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عن قصف غزة بكل ما أوتيت من وحشية والهدف المُعلن: القضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية.
لكن ما تكشف على أرض الواقع هو أن دولة الاحتلال تخوض حرب إبادة ضد مجتمع كامل، وتخسرها. ليس فقط عسكرياً، بل أخلاقياً واستراتيجياً. ف
المقاومة لا تزال صامدة، والاحتلال يزداد عزلة، فيما يتعاظم الإدراك الدولي بأن هذه ليست حرباً ضد “الإرهاب” المزعوم، بل ضد شعب بأكمله يرفض أن يُمحى.
تريليونات الخليج مقابل صمت عن المجازر
في الخلفية، تقف أنظمة الخليج الكبرى ـ السعودية والإمارات وقطر ـ متفرجة وصامتة، بل ومتواطئة أحياناً، بحسب ما أبرز هيرست.
وقال إنه بينما كانت دولة الاحتلال تحرق غزة، كانت الدول الخليجية تُضخّم استثماراتها في الولايات المتحدة وتُغدق العطايا على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأضاف أن تريليونات الدولارات صُرفت على تسويات سياسية وأبراج فاخرة في دبي، بينما سالت دماء الفلسطينيين في خان يونس ورفح بلا توقف، ومُنعت شاحنات الغذاء والدواء من الدخول.
المقاومة ترفض الاستسلام
تتمسك المقاومة الفلسطينية بمطالبتها لإنهاء حرب الإبادة بشكل تام وتفضّل الصمود على الخضوع في موقف يحرج دولة الاحتلال ويربك حسابات البيت الأبيض، ويثبت أن المعادلة لا تُصاغ من تل أبيب وحدها.
وحين تُقارن المجازر الإسرائيلية اليوم بما ارتكبته الولايات المتحدة في فيتنام، تبدو الصورة أشد قسوة.
ففي حين ألقت واشنطن 5 ملايين طن من القنابل خلال 8 سنوات على فيتنام، أسقطت دولة الاحتلال أكثر من 100 ألف طن على رقعة صغيرة لا تتجاوز 365 كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل 275 طناً لكل كيلومتر مربع ـ وهذا أعلى بـ18 مرة من معدل فيتنام. ومع ذلك، لم تستسلم غزة. لم تنهزم، بل باتت رمزاً لعصر ما بعد الجيوش المهزومة.
خطة الإبادة الجماعية: “عربات جدعون”
أبرز هيرست أن دولة الاحتلال لم تعد تخف نواياها. ما يُعرف بـ”خطة الجنرالات” يقوم على إخلاء مناطق بأكملها ـ أولاً شمال القطاع، ثم الآن رفح ـ عبر التهجير الجماعي، ثم قصفها حتى تعود أرضاً محروقة.
والعملية المسماة “عربات جدعون” ما هي إلا حلقة في هذه السلسلة. آلاف الفلسطينيين يُجبرون على مغادرة منازلهم تحت القصف إلى مناطق لا ماء فيها ولا مأوى، بينما تتحول مدن بأكملها إلى خرائب بلا ساكنين.
تُصر دولة الاحتلال على توصيف الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية”، لتبرير الانتهاكات أمام جمهورها وأمام العالم.
هذا الخطاب يُذكّر بما قاله الجنرال الأميركي ويليام ويستمورلاند أثناء حرب فيتنام: “الشرقيون لا يضعون قيمة عالية للحياة كما يفعل الغربيون”.
إنه الخطاب ذاته الذي يبرر قتل المدنيين وقصف المستشفيات والمدارس، لكنه لم يمنع الهزيمة في فيتنام، ولن يمنعها في غزة.
فشل عسكري رغم شراسة الهجوم
ما يُخيف دولة الاحتلال فعلاً ليس ما تقصفه، بل ما لم تستطع فعله. لم تُفكك قيادة المقاومة، ولا شلّت قدرتها على الرد. لا انشقاقات داخل المقاومة، ولا تسليم أو تخلٍّ عن السلاح.
كل ذلك رغم أكثر من عام ونصف من حرب الإبادة المتواصلة، ورغم مئات آلاف الشهداء والجرحى والمشردين. إنه فشل واضح، وإن لم تعترف به القيادات العسكرية علناً.
في المقابل مع مرور الوقت، بدأ الرأي العام العالمي في الانقلاب على الرواية الإسرائيلية. من فرنسا إلى إسبانيا وأيرلندا، بدأ زعماء دول أوروبية يصفون ما يجري بأنه “عار” و”إبادة جماعية”.
وفي المقابل، لا تزال أنظمة عربية كالسعودية والإمارات وقطر تلتزم الصمت، أو تُخفي تواطؤها خلف وساطات بلا أثر. محمد بن سلمان لا يتحدث، ومحمد بن زايد يطبّع، وتميم يتوسط، لكن غزة تُقصف ولا أحد يتحرك.
درس غزة: لا يمكن قتل فكرة
أكد هيرست أنه مثلما كتب التاريخ نهاية الاحتلال الأميركي في فيتنام، فإن غزة تُعيد رسم المشهد: ليست المعركة فقط بالسلاح، بل بالصمود، وبالتمسك بالكرامة، وبالإيمان العميق بعدالة القضية.
وختم مقاله قائلا “لقد أثبتت غزة أن القصف لا يقتل الفكرة، ولا يُنهي روح المقاومة. وكما قالت إحدى المقاتلات الفيتناميات في لحظة محاصرة: “كلما سقط أحدنا، ظهر خمسة أو سبعة مكانه”. كذلك غزة، كل بيت يُهدم يولّد غضباً، وكل شهيد يُنجب ثائراً”.