السلطة الفلسطينية وسيناريو “العمالة الصريحة”
من غزة إلى الضفة الغربية إلى لبنان وسوريا وحتى في العراق واليمن تسال الدماء بشدة ويتصاعد التغول الإسرائيلي ويتم رسم ترتيبات إقليمية قد تغير وجه المنطقة، فيما السلطة الفلسطينية وقيادتها في رام الله في واد آخر.
تنشغل السلطة فقط جهارا وفي وقت تستباح فيه مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، بملاحقة المقاومين ومصادرة سلاحهم، وكيف تتطوع من أجل كشف الكمائن المعدة من مقاومين يخاطرون بأرواحهم لمحاولة التصدي للاحتلال الإسرائيلي خلال توغلاته.
خيانة لدماء الشهداء
من ذلك ما شهدته الساعات الأخيرة من إتلاف الأجهزة الأمنية للسلطة عبوات ناسفة معدة للتصدي لآليات جيش الاحتلال جنوبي مدينة طوباس شمالي الضفة الغربية المحتلة.
وجرى ذلك بعد اقتحام أمن السلطة محيط مسجد “خالد بن الوليد” في بلدة طمون جنوبي طوباس، ثم إجراء أعمال تفتيش عن عبوات زرعتها المقاومة في طريق آليات الاحتلال من أجل إتلافها وهو ما تم وأثار غضبًا كبيرًا في طوباس؛ إذ وصفت بأنها “عمالة علنية وخيانة لدماء الشهداء وتضحيات المقاومين”.
وخلال الشهور الماضية؛ سجلت فصائل المقاومة في الضفة الغربية عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي بتفجير العبوات بعدد غير مسبوق من الآليات المتوغلة سواء في جنين وطولكرم ونابلس، وهو ما استدعى رد فعل واسع من السلطة الفلسطينية لمنع الأمر.
لذلك ليس غريبا أن يسخر محللون ومراقبون حتى من قلب رام الله من الوضع البائس للسلطة الفلسطينية والمنظمات الرسمية التي تمثل الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الفاصلة وهل هي معه أو تطعن في ظهره.
ويصف مدير مركز مسارات للبحوث والدراسات ومقره رام الله هاني المصري إن السلطة الفلسطينية بأنها معاقة وقد ولدت منذ اليوم الأول كذلك كونها نتاج اتفاق مختل لا بد أن يؤدي الى نتائج خاطئة”.
لكن المصري يشدد على أن سوء وضع السلطة الفلسطينية يمكن تصنيفه إلى مرحلة الرئيس محمود عباس بداية من انتخابه عام 2004 وكيف تعزز التزامها من جانب واحد بالالتزامات المترتبة لكن بناء على قاعدة الأمن والتنسيق الأمني المقدس.
وبينما يرى المصري أن عدة سيناريوهات تنتظر السلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة أولها بقائها على ما هي عليه متعاونة وتقوم بدور وظيفي مع فقدانها لمصادر شرعيتها، وثانيها تعرضها للانهيار فيما السيناريو الثالث تحول السلطة من متعاونة إلى عميلة علنيا.
معارضة شعبية صريحة
وبغض النظر عن مستقبل الأيام فإن وضع السلطة الفلسطينية يبدو صريحا بالنظر إلى نتائج الاستطلاعات الدورية للرأي العام التي تظهر مطالبة أغلبية الفلسطينيين باستقالة عباس وحل السلطة وترفض نهج أجهزتها الأمنية.
يضاف إلى ذلك مواقف الفصائل والمؤسسات الشعبية ومطالبتها شبه اليومية للسلطة بالتوقف عن سلوكياتها المشبوهة عبر ملاحقة المقاومين وتفكيك العبوات الناسفة التي يتم زرعها في طريق آليات الاحتلال.
وبهذا الصدد أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في بيان أن سلوكيات أمن السلطة الفلسطينية تعد “تساوقاً كاملاً مع الاحتلال، ومشاركة عملية في العدوان الغاشم على أرضنا وشعبنا”.
وأبرزت الحركة “حجم التناقض” بين سلوك أجهزة السلطة والواقع الذي تحياه القرى والمخيمات والمدن في الضفة الغربية ما يؤكد “مدى الحاجة لدعم كل جهدٍ مقاوم؛ بدلاً من ملاحقة المقاومين وتفكيك عبواتهم”.
عاجزة وبلا استراتيجية
أدى التصعيد الشديد في الهجمات الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة إلى إضعاف السلطة الفلسطينية أكثر وجعلها في حالة من عدم الاستقرار في وقت تبدو قيادتها منعزلة وعاجزة وبلا استراتيجية.
والأشد من ذلك أن تمسك قيادة السلطة بالتنسيق الأمني بل والعمل العلني ضد فصائل المقاومة أضعفها أكثر وجعلها في وضع بائس داخليا وخارجيا.
ومنذ أسابيع أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي أكبر عملية عسكرية في الضفة الغربية منذ عام 2002 وهاجم جنين وطولكرم وطوباس ومدن وقرى أخرى.
وهذه هي الخطوة الأخيرة في إطار هجوم إسرائيلي أوسع نطاقاً، يتميز بالاعتقالات والقتل بشكل يومي تقريباً، في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية منذ بدء حرب الإبادة على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي حين أن الرئيس محمود عباس وإدارة السلطة الفلسطينية يدينون الغارات الإسرائيلية بشكل متكرر، فإنهم ظلوا عاجزين وبلا أي رد فعل إلى حد كبير عن مواجهتها.
مع الاحتلال لا ضده
قال جمال جمعة، وهو ناشط ومحلل فلسطيني بارز “كانت تصرفات السلطة الفلسطينية ولا تزال سلبية تماما”.
وأبرز جمعة أن السلطة الفلسطينية، رداً على تصرفات الاحتلال الإسرائيلي قامت بالفعل باعتقال شباب مطلوبين للسلطات الإسرائيلية.
وبحسب جمعة “أتصور أن بعض الغضب الموجه حاليا نحو الاحتلال سينتقل نحو السلطة الفلسطينية عاجلا أو أجلا”.
وذكر أن إدارة السلطة “كانت عدوانية تجاه الشعب الفلسطيني” و”كان ينظر إليها على أنها متواطئة في الهجمات”، بما في ذلك من خلال تقديم المعلومات الاستخباراتية لإسرائيل.
وتوظف السلطة الفلسطينية، 21% من القوة العاملة الفلسطينية. ومع ذلك، فقد واجهت صعوبة في دفع الرواتب في السنوات الأخيرة بسبب حجب الحكومة الإسرائيلية لعائدات الضرائب.
وتسعى دولة الاحتلال إلى “تقليص دور السلطة الفلسطينية” إلى شيء أشبه بالبلديات بدلاً من هيئة سياسية أكبر، بحسب عضو بارز في حركة فتح تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.
وقال إن (إسرائيل) لا تريد تفكيك السلطة الفلسطينية بشكل كامل، بل تهدف إلى جعلها عاجزة تخدم فقط التنسيق الأمني.
وتابع “يريد الإسرائيليون إبقاء السلطة الفلسطينية على حالها العاري ـ معطلة ولكنها لا تنهار تماما، ولكن النهج الإسرائيلي يجعل انهيار السلطة الفلسطينية أمراً لا مفر منه”.