تحليلات واراء

النهج الدعائي يطغى على خطاب عباس أمام البرلمان التركي

يجمع مراقبون على أن النهج الدعائي طغى على خطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمام البرلمان التركي يوم الخميس، في ظل الانتقادات الواسعة لمواقفه على مدار أكثر من عشرة أشهر من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.

وفي خطابه من على منبر البرلمان التركي، أعلن عباس عزمه “التوجه مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية” إلى قطاع غزة، كإشارة منه إلى سعيه لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة عليه منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ومن دون أن يحدد موعدا أو خطوات عملية لإمكانية زيارته غزة المفجوعة بالشهداء والتدمير والخراب، اكتفى عباس بمطالبته مجلس الأمن الدولي بتأمين وصوله وأعضاء القيادة الفلسطينية إلى غزة.

كما أنه دعا قادة الدول العربية والإسلامية والصديقة والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش إلى المشاركة في زيارة غزة والتواجد بين أهلها.

فاقد للتمثيل الشعبي

ألقى عباس خطابه أمام البرلمان التركي في وقت ظل فيه على مدار الأشهر الأخيرة معزولا عن أي تأثير حقيقي على المشهد السياسي والميداني الفلسطيني لا سيما ما يتعلق بحرب الإبادة وما يجرى في قطاع غزة.

وتظهر استطلاعات الرأي الفلسطينية التراجع الشديد في شعبية عباس (88 عاما) الذي لم يخض سوى انتخابات رئاسية عام 2005 ورفض وعرقل منذ ذلك الوقت أي انتخابات جديدة.

وأظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ونشر في حزيران/يونيو الماضي، أن 85٪ من الجمهور الفلسطيني غير راض عن أداء عباس، بينما يطالبه نحو 94% بالاستقالة.

ووفقا لنتائج الاستطلاع، تعتقد نسبة تزيد قليلا عن النصف من الجمهور الفلسطيني أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” هي الأحق بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني اليوم فيما تقول نسبة من 16% فقط أن حركة “فتح” بقيادة عباس هي الأحق بذلك.

تناقض مع السلوك الميداني

أظهر عباس في خطابه إدانته الشديدة لجرائم الحرب الإسرائيلية وهجومه على الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة الأمريكية، في وقت يتناقض ذلك مع سلوكه الميداني.

إذ على الأرض يواصل عباس توجيه الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بملاحقة فصائل المقاومة في الضفة الغربية ومصادرة سلاحها وتفكيك عبواتها في إطار التنسيق الأمني الذي يعتبره “مقدسا” مع الاحتلال الإسرائيلي.

وبهذا الصدد قالت حركة حماس في بيان صحفي، إن اعتقالات السلطة الفلسطينية على خلفيات سياسية وتفكيك عبوات المقاومة؛ تمثل تناغما مع الاحتلال وضربٌ للنسيج الوطني.

وأضافت أن هذه الممارسات غير الوطنية تتعارض مع دور الأجهزة الأمنية المُفتَرَض في حماية الشعب الفلسطيني والدفاع عن المواطنين في مواجهة الاحتلال وإجرامه المستمر.

وختمت الحركة بأن “شعبنا في أمسّ الحاجة لوقف سياسة السلطة في قمعها وملاحقتها وزجها لخيرة أبنائه في السجون ومنعها الحراك الجماهيري ضد الاحتلال”.

التلون بالمواقف السياسية

أبرز مغردون فلسطينيون وعرب حالة التلون بالمواقف المعلنة من عباس تجاه غزة ومقاومتها وما يجرى فيها من حرب إبادة إسرائيلية.

إذ أنه في واقع الحال فضل منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي التآمر على فصائل المقاومة وانتظار تدمير الاحتلال لها بدلا من تقديم أي عون حقيقي للشعب المنكوب في غزة.

وأبرز دليل على ذلك تصريح عباس في كلمته أثناء المشاركة في القمة العربية الـ33 التي أُقيمت في البحرين قبل أشهر حول “هجوم طوفان الأقصى”.

في حينه قال عباس في كلمته: “إن العملية العسكرية التي نفذتها حماس بقرار منفرد في ذلك اليوم، وفرت لإسرائيل المزيد من الذرائع والمبررات كي تهاجم قطاع غزة، وتُمعن فيه قتلاً وتدميراً وتهجيراً”.

وأثار هذا التصريح ردود فعل واسعة، إذ انتقد المغردون الفلسطينيون والعرب عباس ومواقفه المشينة من المقاومة وتوفيره الذرائع للاحتلال لتصعيد عدوانه، ووصفوا حماس بـ”حركة مقاومة” تدافع عن الشعب الفلسطيني.

ويشار إلى أن استطلاع الرأي الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أظهر تأييد نحو ثلثا الجمهور الفلسطيني هجوم طوفان الأقصى، وأن حوالي 80% يعتقدون أنه قد وضع القضية الفلسطينية في بؤرة الاهتمام العالمي.

قفزة في الهواء

أظهرت ردود فعل الأوساط السياسية والرأي العام الفلسطيني والعربي أن إعلان عباس عزمه زيارة غزة في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية لا تتعدى قفزة في الهواء لتحسين صورته.

وبهذا الصدد استبعد رئيس “مركز القدس للدراسات” في رام الله أحمد رفيق عوضن أن تتم زيارة عباس إلى غزة قريبا “لأن السلطات الإسرائيلية سترفض ذلك وقد تتخذ خطوات عقابية ردا على أي تحرك” في هذا الصدد.

من جهته أبرز مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات للأبحاث والدراسات خليل شاهين بأن عباس وقيادات السلطة يعتقدون أن المهادنة مع الاحتلال وداعميه تحمي رؤوسهم وتعزز بقاء السلطة ولذلك لا يمكن توقع أي خطوة صدامية من طرفهم ضد دولة الاحتلال.

أما الكاتب والمحلل العربي جلال الورغي فعلق بأنه كان بوسع عباس أن يكون أقل شجاعة ويعفي نفسه من الخطاب أمام البرلمان التركي الذي يمثل عبئا عليه وعلى سلطته بالإعلان عن استقالته وتنحيه لعدم قدرته وعجزه عن حماية شعبه.

وقد طغت ردود فعل السخرية على وسائل الإعلام العربية والأجنبية عند التطرق للإشارة إلى إعلان رئيس السلطة الفلسطينية عزمه زيارة غزة.

وعنون موقع (euronews) الأوروبي واسع الانتشار بأن إعلان عباس بشأن غزة “جاء بعد مرور أكثر من 10 أشهر على الحرب الإسرائيلية”.

فيما سلطت وسائل إعلام عربية حدة التهميش الذي يعانيه عباس وسلطته بحيث لم تعلق أي دولة عربية على دعوته المفتوحة للقادة العرب من أجل مرافقته بزيارة عباس.

الأولى زيارة مخيمات الضفة

أكد مغردون على وسائل التواصل الاجتماعي أنه كان أولى بعباس بدل الدعاية لنفسه بإعلان عزمه زيارة غزة، زيارة مخيمات الضفة الغربية والتضامن مع عوائل الشهداء والجرحى جراء الجرائم الإسرائيلية اليومية.

وأبرز المغردون أن غزة تشهد حرب إبادة ومقاومة شرسة فهل هذه الظروف تسمع لدخول عباس رغم الدمار والغبار وقعقعة السلاح وبدل السجاد الأحمر هناك دماء حمراء تسيل على الأرض، وهل تم التشاور مع فصائل المقاومة لذلك.

وشدد هؤلاء أن على عباس التصدي لهجمات المستوطنين الإجرامية اليومية في الضفة الغربية وإطلاق سراح المقاومين ووقف مطاردتهم وأن يزور مخيم جنين أو طولكرم ليواسي أمهات الشهداء.

وخاطب أحد المغردين عباس بالقول “إن برنامج قيادتك فشل في كل الاتجاهات، وعليه كمواطن فلسطيني أتمنى عليك أن تسلم الراية لمن فهم المرحلة أفضل ويمثل تطلعات شعبك الذي يتعرض للإبادة”.

بموازاة ذلك ربط مراقبون بين إعلان عباس المفاجئ عزمه زيارة غزة واستئناف المفاوضات غير المباشرة في العاصمة القطرية الدوحة بضغط أمريكي يوم الخميس بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

ورأى المراقبون أن إعلان عباس المفاجئ “ليس صحوة متأخرة بل تنفيذا لأوامر أسياده التي تأتي ملبية لأطماعه وخططه ببسط سيطرة سلطته على غزة حال وقف الحرب الإسرائيلية”.

حيثيات زيارة عباس إلى تركيا

أدرج عباس زيارته لأنقرة وإلقاء خطابا أمام البرلمان التركي بعد لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو يوم الثلاثاء الماضي.

وفي تموز/يوليو الماضي، انتقد الرئيس التركي رجيب طيب أردوغان عباس وطالبته بالاعتذار العلني، لعدم استجابة رئيس السلطة لدعوته من أجل إلقاء خطاب أمام البرلمان التركي.

وكانت الدعوة التركية تستهدف توفير منصة للفلسطينيين للرد على خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي، الأمر الذي امتنع عباس عن استغلاله.

ويشار إلى أنه خلال خطاب عباس تم وضع أوشحة تحمل علمي فلسطين وتركيا على جميع المقاعد في الجلسة العامة للنواب التي تم تجهيزها خصيصًا من قبل رئاسة البرلمان التركي.

وتم وضع صورة رئيس المكتب السياسي السابق لحركة “حماس” الشهيد إسماعيل هنية في إطار أحمر مع إكليل من القرنفل في الصف الأمامي لفريق حزب العدالة والتنمية الحاكم.

كما تم رفع صورة رئيس المكتب السياسي الجديد لحماس يحيى السنوار في الصفوف الأمامية لمقاعد البرلمان، إلى جانب لافتات تندد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة.

فضلا عن ذلك واجه عباس احتجاجا من النواب القوميين خلال خطابه، تنديدا بتصريحاته السابقة بشأن أقلية الأويغور المسلمة في الصين، والتي قال إنها “ليست قضية حقوق إنسان”.

وخلال زيارته للصين في يونيو/حزيران 2023، أشاد عباس بمعاملة الصين للمسلمين الأويغور، والتي تشمل وضع أكثر من مليون شخص في معسكرات الاعتقال، باعتبارها “حربًا مشروعة ضد الإرهاب”.

وفي إظهار للرفض، وضع نواب حزب الخير التركي، أعلام تركستان الشرقية، رمز حركة استقلال الأويغور، بالإضافة إلى أعلام أذربيجان والجبهة التركمانية العراقية، إلى جانب الأعلام الفلسطينية على طاولاتهم في البرلمان.

وقالت زعيمة الحزب، موسافات درويش أوغلو، على وسائل التواصل الاجتماعي، إنهم أرادوا أن يظهروا وقوفهم إلى جانب الشعوب المضطهدة في تلك البلدان أيضًا وإدانة تصريحات عباس.

وكانت تصريحات نائب رئيس الحزب، جينك أوزاتيجي، أقوى حيث وصف عباس بأنه “عدو للأتراك”، وأظهر تشكيكه في أن عباس يمثل فعلا الشعب الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى