معالجات اخبارية

إلزام شركات البريد السريع في الضفة بالدفع الإلكتروني: خطوة نحو زيادة التضييق

أصدرت وزارة الاتصالات والاقتصاد الرقمي في السلطة الفلسطينية، قبل يومين، قرارًا يلزم شركات البريد السريع بتوفير وسائل الدفع الإلكتروني بشكل إلزامي، على أن يتم منع أي معاملة مالية تزيد قيمتها عن 500 شيكل نقدًا بعد مرور ثلاثة أشهر من بدء تنفيذ القرار.

وبحسب الوزارة، فإن الهدف المعلن من القرار هو “تنظيم القطاع المالي”، و”تعزيز الشفافية”، و”مواكبة التطورات الرقمية العالمية”، لكن القرار أثار جدلًا واسعًا في الشارع الفلسطيني، حيث يرى مواطنون وخبراء أن الخطوة تأتي في سياق زيادة التضييق المالي والرقابة على حركة الأفراد أكثر مما تخدم مصالح المستهلكين.

وقالت الوزارة في بيانها إن “الدفع الإلكتروني أصبح ضرورة لا يمكن تجاوزها في ظل الاقتصاد الحديث”، مؤكدة أن التوجه نحو الأنظمة الرقمية يهدف إلى تقليل التهرب الضريبي، وتنظيم عمل الشركات الخاصة التي تنشط في مجال البريد السريع والتجارة الإلكترونية.

وأضافت الوزارة أن “القرار يندرج ضمن خطة إصلاح مالي أوسع”، تشمل تشجيع التحويلات البنكية والمحافظ الرقمية، وربط المعاملات التجارية بقاعدة بيانات رسمية تسهّل عملية الرقابة والمتابعة.

انتقادات شعبية واتهامات خطيرة

لكن هذه المبررات لم تقنع الكثير من الفلسطينيين. إذ اعتبر منتقدو القرار أن السلطة تسير في اتجاه “عدّ أنفاس المواطن” وزيادة التحصيل الضريبي عبر فرض قيود على حرية التعامل النقدي.

يقول أحد التجار في رام الله: “من الواضح أن القرار لا يستهدف تنظيم السوق فقط، بل مراقبة حركة الأموال والضغط على المواطنين، خصوصًا أن معظم الناس يعتمدون على التعامل النقدي اليومي لضعف الثقة بالبنوك والأنظمة الإلكترونية”.

ويؤكد خبراء اقتصاديون أن البنية التحتية المالية في فلسطين لا تزال هشة، وأن إجبار المواطنين على الدفع الإلكتروني قبل توفير نظام محكم وآمن سيؤدي إلى أزمات حقيقية، سواء على مستوى التجارة الإلكترونية أو على مستوى المعاملات البسيطة اليومية.

بعد سياسي واقتصادي

يرى مراقبون أن القرار يتجاوز البعد المالي، ليعكس توجهات سياسية مفروضة على السلطة الفلسطينية من شركاء أوروبيين وإسرائيليين. إذ يتزامن مع ضغوط غربية لزيادة “الشفافية المالية” بحجة مكافحة غسيل الأموال، وهو ما يترجم عمليًا إلى إحكام السيطرة على الاقتصاد الفلسطيني وربطه بالأنظمة الغربية والإسرائيلية.

ويذهب بعض المحللين أبعد من ذلك، معتبرين أن هذه السياسات تأتي في إطار التضييق الممنهج على الفلسطينيين ودفعهم نحو الهجرة القسرية، عبر تحويل حياتهم اليومية إلى سلسلة من العقبات المالية والإدارية، ما يجعل البقاء في الداخل أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

والاتهام الأكثر خطورة الذي وجّه إلى القرار، هو أنه ينسجم مع سياسة الاحتلال الإسرائيلي في خنق الفلسطينيين ماليًا واقتصاديًا.

فالاحتلال منذ سنوات يفرض قيودًا مشددة على حركة الأموال والتحويلات النقدية، ويمنع إدخال العملات الأجنبية بكميات كبيرة إلى غزة والضفة. وجاء قرار السلطة – بحسب المنتقدين – ليزيد من خنق المواطن بدلاً من التخفيف عنه، من خلال فرض قيود إضافية تتماشى مع رغبة الاحتلال في إحكام الرقابة.

ويقول أحد الخبراء: “بينما يبتكر الفلسطينيون حلولًا للتعامل مع القيود المالية، تأتي السلطة لتضيف قيودًا جديدة تحت عنوان التحديث الرقمي. النتيجة واحدة: تقييد حرية المواطن”.

انعكاسات على التجارة الإلكترونية

من جانب آخر، سيؤثر القرار بشكل مباشر على شركات البريد السريع والتجارة الإلكترونية، التي تعتمد في الغالب على الدفع النقدي عند الاستلام.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 70% من المعاملات في هذا القطاع تتم نقدًا، ما يعني أن الشركات ستضطر إلى الاستثمار في أنظمة دفع إلكتروني خلال فترة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وهو ما قد يرفع كلفة التشغيل وينعكس على أسعار الخدمات للمستهلكين.

كما أن شريحة واسعة من المستهلكين لا تمتلك حسابات بنكية أو محافظ رقمية، خاصة في المناطق الريفية والمخيمات، مما قد يحدّ من استفادتهم من خدمات البريد السريع، أو يدفعهم إلى السوق غير الرسمي.

من جانب آخر، عبّر ناشطون عن مخاوفهم من مخاطر الأمن الرقمي، إذ أن ربط جميع المعاملات بوسائل دفع إلكترونية في ظل ضعف الحماية السيبرانية في فلسطين قد يعرض بيانات المواطنين المالية للقرصنة أو الاستغلال.

يُذكر أن الاتحاد الأوروبي كان قد قدّم تمويلًا لمشاريع تتعلق بتعزيز الدفع الإلكتروني والاقتصاد الرقمي في الأراضي الفلسطينية، في إطار ما يسميه “إصلاحات الحوكمة الاقتصادية”. ويرى البعض أن هذا القرار الأخير يأتي استجابة مباشرة لشروط المانحين الأوروبيين، وليس نتيجة حاجة فلسطينية داخلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى