تفاصيل مثيرة عن خطة ممنهجة لهندسة التجويع والفوضى في غزة

كشفت هيئة حقوقية تفاصيل صادمة عن خطة ممنهجة تقودها سلطات الاحتلال بغطاء “العمل الإنساني”، بهدف هندسة التجويع والفوضى داخل قطاع غزة، وتقويض البنية المجتمعية، واستبدال الدور الأممي بشبكات خاصة أمنية.
جاء ذلك في مذكرة إحاطة قانونية وجهتها الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني “حشد” إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، ورئاسة لجنة تقصي الحقائق الأممية، إضافة إلى مفوض الاتحاد الأوروبي ومؤسسات دولية أخرى.
وأكدت الهيئة في مذكرتها أن الاحتلال يسعى لخصخصة العمل الإنساني والإغاثي بإحلال جهات غير حكومية، في ظاهرها “مدنية”، لكنها تخضع لإشراف أمني مباشر من جيش الاحتلال وشركات أمريكية وإسرائيلية خاصة.
وضربت مثالا على ذلك بمؤسسة “غزة الإنسانية” (GHF)، التي تم إنشاؤها كبديل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وتعمل عبر مراكز توزيع أُقيمت في مناطق جنوب ووسط قطاع غزة، خاصة في “الممرات الإنسانية”.
وتشير الهيئة إلى أن هذه المراكز لا تلتزم بأي معايير إنسانية أو قانونية، بل تقوم بجمع بيانات بيومترية عن المدنيين، وتفرض إجراءات تفتيش قاسية ومهينة، وتحدد قوائم المستفيدين وفق اشتراطات أمنية، ما أدى إلى استبعاد مئات آلاف العائلات، وتحويل المساعدات إلى أدوات ضغط وتصفية سياسية.
وأوضحت “حشد” أن الحصص الغذائية المقدّمة عبر هذه المراكز لا تتناسب مع الحد الأدنى من المعايير الدولية، إذ يحصل الفرد على 1750 سعرة حرارية أسبوعيًا فقط، وهو رقم يقل كثيرًا عن الحد الأدنى الموصى به للبقاء على قيد الحياة. كما يتم تقديم هذه الحصص على فترات متباعدة، ما يدفع آلاف العائلات إلى التجمهر في طوابير طويلة تحت الشمس، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا، كما حدث بمجزرتي “النقطة ٨٦” شرق البريج و”الكرفانات” برفح، إذ قتل أكثر من 110 مدنيين بينهم أطفال ونساء، وأصيب أكثر من 500 آخرين، بنيران الاحتلال أو بسبب التدافع الناجم عن الجوع والفوضى.
وكشفت المذكرة عن تطور خطير في المشهد الغزّي، يتمثل في تغذية مجموعات مسلحة محلية بالسلاح والمال، بهدف السيطرة على المعابر ومخازن المساعدات، وتسهيل مرور الشاحنات التي تعمل مع المؤسسات الجديدة، مقابل منع المؤسسات الفلسطينية والمنظمات الأممية من أداء دورها. ومن بين هذه المجموعات ما يُعرف بـ”كتيبة أبو الشباب”، الناشطة برفح، والتي تورطت في منع توزيع المساعدات بالقوة، وفرض إتاوات مالية على التجار، وتهديد الموظفين المحليين في المؤسسات الدولية.
وأكدت الهيئة أن هذه السياسة تمثل نموذجًا جديدًا من “الاستعمار عبر الفوضى”، بتفكيك مؤسسات المجتمع المدني، وتحويل الفضاء العام إلى منطقة نفوذ تتقاسمها جماعات مسلحة مدعومة من الاحتلال، ضمن خطة لإعادة تقسيم القطاع إلى “كانتونات مغلقة”، تدار كل واحدة منها من قبل فصيل محلي أو شركة أمنية، بإشراف إسرائيلي مباشر.
بيّنت أن سلطات الاحتلال، ومن خلفها الإدارة الأمريكية، تسعى بشكل واضح لإنهاء دور أونروا تدريجيًا، عبر شيطنتها في الإعلام، وفرض قيود ميدانية على تحركات موظفيها، والتضييق على مقارها، ومنع دخول المساعدات التي تمر عبرها، تمهيدًا لتجفيف مصادر تمويلها، واستبدالها بمؤسسات جديدة تخدم أجندة الاحتلال.
واعتبرت الهيئة الدولية أن ما يجري في غزة يتجاوز كونه مجرد “حصار” أو “عدوان عسكري”، ليبلغ حدود جريمة الإبادة الجماعية، وفقًا لتعريف اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948. فالجوع، والحرمان من العلاج، ونشر الفوضى، ومنع المساعدات، واستخدام المدنيين كرهائن للجوع، كلها أدوات يتم استخدامها عن قصد لتدمير شعب بأكمله من الناحية المادية والاجتماعية والنفسية.
وشددت المذكرة على أن سياسة “هندسة الفوضى” ترتكز على فصل المناطق عن بعضها البعض، ومنع التنقل الداخلي، وخلق نزاعات محلية مدفوعة سياسيًا وأمنيًا، وتدمير السوق المحلي، عبر تشجيع الاحتكار، ومنع دخول المواد الخام، وملاحقة التجار.
في ختام مذكرتها، طالبت الهيئة المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، باتخاذ إجراءات فورية وملزمة، تتضمن وقف جميع أشكال العدوان والحصار على قطاع غزة فورًا.
ودعت لفتح تحقيق دولي مستقل في الجرائم المرتكبة، خاصة المجازر عند مراكز توزيع المساعدات، وتسليح العصابات المحلية وتمكين وكالة الأونروا والمؤسسات الأممية من استعادة دورها الطبيعي في تقديم المساعدات وفق المعايير الدولية، دون تدخل أمني.
وحثت على إعادة تنظيم العملية الإنسانية تحت إشراف دولي نزيه، ورفض أي محاولات لخصخصة المساعدات أو ربطها بشروط سياسية وفرض رقابة عاجلة من لجنة التحقيق الدولية على عمل مراكز توزيع المساعدات والشاحنات الداخلة، وضمان حيادها.
وطالبت الهيئة بمحاسبة الجهات المتورطة في إنشاء ودعم الميليشيات المسلحة داخل غزة، باعتبارها أذرعًا للاحتلال وليست كيانات وطنية.
وكذلك إحياء مسار المساءلة الجنائية الدولية بحق القادة الإسرائيليين المتورطين في الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية.