تحليلات واراء

فتح وإعلامها: نسف مصطنع لأي جهود للتوحد الداخلي

في ظل الأزمة الفلسطينية المستمرة منذ سنوات، تستمر قيادة حركة فتح في السلطة الفلسطينية في رام الله باللعب على ورقة الإعلام لتثبيت الانقسام الداخلي ومنع أي تقدم حقيقي للتوحد وتحقيق المصالحة الوطنية.

آخر حلقات هذه اللعبة شهدها الساحة الإعلامية خلال الأيام الماضية، عندما أطلق إعلاميون محسوبون على فتح، مثل محمد منذر البطة ومصطفى عصفور، سلسلة تسريبات غير رسمية حول محادثات دمج الأجهزة الأمنية في قطاع غزة مع نظيرها في رام الله.

ويبرز هنا أن هذه التسريبات لم تؤكدها أي جهة رسمية، لكنها جرى استباق أي نتائج محتملة لها بالإعلان عن رفض فتح لهذه المحادثات قبل أن تبدأ أي خطوات عملية.

ويوضح هذا السلوك الإعلامي أن فتح وقيادة السلطة لم تتخلَّ عن نهجها المعتاد في إجهاض أي مبادرة للتقارب الوطني، سواء مع حماس أو مع القوى والفصائل الفلسطينية الأخرى.

فحركة فتح لم تكتف بالسيطرة على مؤسسات السلطة في الضفة الغربية، بل عملت على توظيف الإعلام، خاصة العناصر الموالية لها، لعرقلة أي خطوة نحو المصالحة كونها تهدد مصالح الفريق الحاكم في رام الله.

ويظهر ذلك أن استراتيجية فتح واضحة: إدامة الانقسام الداخلي كأداة للحفاظ على مواقع السلطة ومنع أي انتقال ديمقراطي محتمل، سواء عبر انتخابات تشريعية أو رئاسية أو حتى محلية.

في هذا السياق، المماطلة المستمرة في تشكيل اللجنة الإدارية المسؤولة عن إدارة قطاع غزة تمثل إحدى الآليات العملية للحفاظ على هذا الوضع الراهن، إذ تتيح للسلطة الفلسطينية التحكم الجزئي في القطاع دون الالتزام بمسؤولياتها تجاه سكانه، وبالتالي استمرار اعتماد الأطر المؤقتة على حماس في إدارة شؤون غزة، مع إبقاء قطاع غزة منفصلًا فعليًا عن مؤسسات رام الله.

حركة فتح ويكيبيديا

يضخ إعلام فتح، من خلال شخصيات مثل البطة وعصفور، معلومات مشوهة وغير دقيقة حول أي جهود للتوحيد الأمني أو السياسي.

ولا تستهدف هذه الممارسة فقط حجب المعلومات، بل تسعى إلى خلق حالة من الشك والرفض المسبق تجاه أي محاولات للتقارب، وهو ما يعكس استراتيجية مقصودة لإبقاء الفلسطينيين منقسمين.

والرسالة غير المعلنة من فتح واضحة: أي توحد داخلي قد يُترجم لاحقًا إلى تعزيز فرص الانتخابات العامة، وتوسيع قاعدة الشرعية، وتحدي وضعية الفريق الحاكم الحالي، وبالتالي يهدد مصالحهم الشخصية والسياسية.

الأمر لا يقتصر على المماطلة الداخلية، بل يتقاطع مع السياسات الإسرائيلية في فرض الانقسام الفلسطيني. فتح لم تتخذ أي خطوة جادة لتحدي خطط الاحتلال التي تهدف إلى إبقاء غزة خارج السيطرة المباشرة للسلطة، إذ يُنظر إلى الانقسام كأداة إسرائيلية لتعزيز النفوذ والسيطرة وتقسيم القوة الفلسطينية.

من هنا، يصبح سلوك فتح ليس فقط ضد الوحدة الوطنية، بل جزءًا من لعبة أكبر تتقاطع مصالحها مع الاحتلال الإسرائيلي في الحفاظ على الانقسام.

وفي المقابل، تظهر أوجه القصور في القيادة الإعلامية الرسمية للسلطة، إذ يغيب أي خطاب متوازن أو توضيح رسمي لما يجري على مستوى المصالحة.

وبدلاً من ذلك، يتم استخدام شخصيات محسوبة على فتح لنشر رسائل مضللة واستباقية حول رفض أي خطوات للتقارب الأمني أو السياسي، مما يخلق لدى الجمهور الفلسطيني حالة من الإرباك واللامبالاة، ويضعف أي دعوات للوحدة الوطنية.

وتعمل هذه الآليات الإعلامية بشكل متزامن مع الممارسات الإدارية والسياسية، لتثبيت وضعية الجمود الداخلي.

والأزمة تتجلى أيضًا في غياب آليات مساءلة داخلية داخل فتح نفسها، حيث لم يتم فتح حوار جاد حول مسؤولية القيادة في استمرار الانقسام. هذه الثقافة الداخلية، التي تركز على حماية مصالح النخبة بدل تعزيز الوحدة الوطنية، انعكست على الإعلام التابع لها، والذي أصبح أداة تبرير مستمرة، لا أداة نقل معلومات دقيقة أو معالجة القضايا الجوهرية.

في المحصلة، يظهر المشهد الفلسطيني الحالي أن حركة فتح تستخدم إعلامها كأداة سياسية استراتيجية، لاستباق أي جهود للتوحد الداخلي الفلسطيني وإحباطها قبل أن تتحول إلى واقع عملي.

ويعمل الإعلام الموالي لفتح، من خلال تسريبات غير رسمية واستباقية، على تشويه أي محاولة للتقارب الأمني أو السياسي، ويكرّس الانقسام المستمر.

وفي الوقت نفسه، يضمن الفريق الحاكم في رام الله استمرار موقعه في السلطة، بعيدًا عن أي مساءلة أو ضغوط لإجراء انتخابات حقيقية أو مواجهة الاحتلال الفلسطيني.

وتظهر هذه المعادلة أن الانقسام الداخلي ليس مجرد نتيجة للسياسات الإسرائيلية، بل هو مشروع سياسي داخلي مستمر تديره فتح لإدامة هيمنتها وحماية مصالحها الذاتية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى