معالجات اخبارية

جريمة جديدة في سجون السلطة: وفاة ضابط معتقل في ظروف غامضة

في ظل سجل حافل من الانتهاكات التي طالت المعتقلين في سجون السلطة الفلسطينية، وقعت جريمة جديدة بوفاة المقدم عمار سعيد أبو ظهري، وهو ضابط في جهاز الأمن الوقائي، في ظروف غامضة أثناء تلقيه العلاج في المستشفى، بعد اعتقاله لدى النيابة العسكرية على ذمة قضية منظورة لم يكشف أي تفاصيل عنها.

ووفاة المقدم أبو ظهري ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي فصول من مأساة متجددة تعيشها السجون الفلسطينية تحت سلطة جهاز أمني لا يكتفي بتكميم الأفواه فقط، بل يمتد إلى الاعتقال والتعذيب والقتل، دون محاسبة تذكر.

وتأتي هذه الجريمة الجديدة لتؤكد أن السجون الفلسطينية لا تزال سجناً للإنسان الفلسطيني، وساحة لتصفية حسابات سياسية بطرق قاسية وغير قانونية، وأن غياب العدالة والمساءلة يشجع على مزيد من القتل والإهمال.

بيان المؤسسة الأمنية.. محاولة للتغطية على الجريمة؟

في بيان رسمي صدر عن المؤسسة الأمنية والعسكرية الفلسطينية، أعلن اللواء أنور رجب، المفوض السياسي العام والناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني، نبأ وفاة المقدم عمار، معزياً ذويه.

وزعم رجب أن الوفاة جاءت بسبب أمراض عدة عانى منها أبو ظهري، وأنه كان يتلقى العلاج بصورة حثيثة داخل المستشفيات المختصة طوال مدة توقيفه.

وأشار البيان إلى أن المؤسسة الأمنية تتابع ظروف الوفاة بكل اهتمام ومسؤولية، وأن المقدم كان قد أُفرج عنه بسبب وضعه الصحي، مما يوحي بأن المؤسسة تحاول التخفيف من وطأة الحدث والرد على اتهامات محتملة بتعذيب أو إهمال طبي.

لكن هذا البيان الرسمي لم يخفِ التساؤلات التي أثارتها هذه الحادثة، خصوصًا في ظل سجل أسود من الانتهاكات التي رافقت سجون السلطة، والتي باتت تشكل واقعًا مأساويًا بالنسبة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.

السياق السياسي والاجتماعي لجريمة الوفاة

تأتي هذه الحادثة في وقت حساس للغاية يمر به الوضع الفلسطيني، حيث تتصاعد وتيرة الاعتقالات السياسية، وتتعاظم أصوات المطالبين بإصلاح الأجهزة الأمنية، وإنهاء سياسات القمع الداخلي التي تؤثر سلبًا على النسيج الاجتماعي الفلسطيني.

وتسلط وفاة مقدم في جهاز الأمن الوقائي، الذي يفترض به حماية الأمن الداخلي، الضوء على مأزق عميق في كيفية إدارة ملف السجون والاعتقالات داخل السلطة، ما يطرح العديد من الأسئلة حول مدى احترام هذه الأجهزة للقانون والحقوق الأساسية.

ويضاف هذا الحادث إلى شكوك عديدة حول وجود إهمال طبي مقصود، أو حتى تعذيب خفي، خاصة أن الكثير من المعتقلين السابقين ورواد حقوق الإنسان يشيرون إلى ممارسات تنطوي على انتهاك واضح لكرامة الإنسان وصحته داخل السجون.

سجون السلطة: تعذيب وقتل واعتقال تعسفي

لم تكن وفاة المقدم عمار هي الحادثة الأولى التي تهز المجتمع الفلسطيني بخصوص ممارسات الأجهزة الأمنية في سجون السلطة.

بل إن التاريخ الحديث يشهد على سلسلة من الجرائم والانتهاكات التي تشمل التعذيب الممنهج، القتل خارج القانون، والاعتقال التعسفي لأبناء الشعب الفلسطيني، سواء كانوا ناشطين سياسيين، صحفيين، أو مدافعين عن حقوق الإنسان.

من أبرز هذه الجرائم التي لا تزال شاهدة على واقع مأساوي هي وفاة الناشط نزار بنات، الذي أصبح رمزًا للمقاومة السلمية في وجه انتهاكات السلطة.

نزار بنات قضى بعد اعتقاله تحت التعذيب، دون أن يُحقق معه بطريقة عادلة أو يُحاسب المسؤولون عن قتله، ما فتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات التي لا تزال متواصلة حتى اليوم.

وقائمة المعتقلين الذين قضوا نحبهم داخل سجون السلطة طويلة، لكنها تتجاهل بشكل متعمد من قبل المؤسسات الرسمية، فيما تستمر الأجهزة الأمنية في الإفلات من العقاب، في ظل غياب آليات حقيقية للمحاسبة والشفافية.

غياب المساءلة: ضوء أخضر لاستمرار الجرائم

غياب المحاسبة والمساءلة يمثل المشكلة الأساسية التي تساهم في استمرار الانتهاكات داخل السجون. فبدلاً من أن تكون وفاة المقدم عمار بمثابة جرس إنذار يدفع إلى مراجعة جذرية لسياسات الاعتقال والاحتجاز، باتت الحادثة تمر كواحدة من الوقائع التي تضاف إلى سجل حافل بالجرائم.

والسماح باستمرار هذه الانتهاكات، مع تغاضي واضح من قبل الأجهزة القضائية والسياسية، يشكل رسالة واضحة بأن الأمنيات غير المعنية بحياة المعتقلين وحقوقهم، وأنها تستمر في قمع المعارضة وأي صوت معارض تحت حجج وأدوات أمنية قاسية.

هذا الواقع يزيد من معاناة الأسر الفلسطينية التي تنتظر في قلق مصير أبنائها المحتجزين، كما أنه يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي حول مدى قدرته على حماية حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.

نداء لإنهاء الانتهاكات والإصلاح الجذري

يؤكد مراقبون على الحاجة الملحة إلى دعوة السلطة الفلسطينية إلى إجراء تحقيق شفاف ومستقل في وفاة المقدم عمار، وأن يتم الكشف عن كل الملابسات المرتبطة بهذه الجريمة، بما في ذلك أي تجاوزات أو إهمال طبي.

كما يجب أن يفتح التحقيق الباب لمحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة، خصوصًا الذين تورطوا في قتل نزار بنات وآخرين من المعتقلين، كخطوة أساسية لوقف مسلسل الانتهاكات وإعادة ثقة المجتمع بأجهزته الأمنية.

والإصلاح الأمني يجب أن يرافقه ضمان احترام حقوق الإنسان، حماية الكرامة الإنسانية، وتوفير بيئة آمنة للمعتقلين، بعيدًا عن أي أشكال من التعذيب أو القتل خارج القانون.

وتطالب منظمات حقوقية السلطة الفلسطينية بأن تتوقف فوراً عن هذه الممارسات، وأن تعيد النظر في تعاملها مع معتقليها، وأن تفتح صفحة جديدة مبنية على احترام الحقوق والكرامة، وإلا فإن دورات الانتهاكات ستستمر، وسيمتد الظلم ليطال الجميع بلا استثناء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى