تحليلات واراء

وسط إشادات بمرونة حماس: الاحتلال يراوغ ويُعرقل مفاوضات التهدئة

تتّجه الأنظار مجددًا إلى مسار مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، وبين الاحتلال الإسرائيلي، وسط حراك دبلوماسي مكثف تقوده قطر ومصر بدعم أمريكي وأوروبي، في محاولة لإنهاء أشهر طويلة من الحرب الضارية على قطاع غزة.

لكن المثير في هذه الجولة من المحادثات، هو الاعتراف الصريح من وسطاء ومحللين مطلعين على تفاصيل المفاوضات بوجود مرونة واضحة وإيجابية غير مسبوقة من حركة حماس، مقابل تعنت إسرائيلي يُعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر، رغم ما تم إحرازه من تقدم على صعيد المسودات والمقترحات المتبادلة.

إشادة الوسطاء بمرونة حماس

في تقرير كتبه الصحفي محمد دراغمة، مراسل قناة الشرق السعودية، أشار إلى أن الوسطاء – القطريين والمصريين – فوجئوا بـ”رد إيجابي ومتقدم” من حركة حماس على المقترح المشترك الذي عُرض مؤخرًا، واصفين الرد بأنه “منسجم مع المبادئ الأساسية التي طُرحت خلال الأسابيع الأخيرة”.

وقال دراغمة: “أُصيب الوسطاء بصدمة من تصريحات المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، والتي جاءت بعد لقاء تفاؤلي في الدوحة، وأشعلت تساؤلات داخل أروقة التفاوض: هل ما يحدث مناورة تفاوضية؟ أم تعبير عن انقسام داخل المعسكر الإسرائيلي؟”

وأوضح أن الرد الذي قدّمته حماس تضمّن خلاصات من المفاوضات الأخيرة، ولبّى كثيرًا من متطلبات الوسطاء، مما عزز آمال التوصل إلى اتفاق شامل.

“غبار ويتكوف”: مناورة أمريكية–إسرائيلية؟

في مقال تحليلي للكاتب الصحفي وسام عفيفة، حمل عنوان “غبار ويتكوف.. لعبة الضغط في اللحظة الحرجة”، اعتُبر تصريح المبعوث الأمريكي بمثابة رشقة سياسية مدروسة تهدف إلى التشويش على أجواء التقدم التي تبلورت في الدوحة.

يقول عفيفة: “لم يكن تصريح ويتكوف مجرد بيان دبلوماسي، بل رسالة ضغط، وخطاب تكتيكي يُكمّل دور الوزير الإسرائيلي رون ديرمر، فيما صار يُعرف بـ‘لعبة الورقة الأخيرة’، أي إحراج حماس علنًا، ودفعها لتنازلات اللحظة الأخيرة.”

وأضاف أن توقيت التصريح الأمريكي، والذي جاء بعد ساعات من تسليم وفد حماس لرده الرسمي في الدوحة، أثار امتعاض الوسطاء، وأحرجهم أمام الأطراف الدولية، خاصة وأنهم اعتبروا الورقة التي قُدّمت “مدخلاً عمليًا لإنجاز اتفاق”.

وفي أروقة المفاوضات، وصف دبلوماسي عربي ما جرى بأنه: “محاولة مكشوفة من الجانب الإسرائيلي وحلفائه لتفجير المسار في اللحظة التي كان فيها قاب قوسين من إعلان تقدم كبير.”

الجهاد: الرد كان بناءً ومُرحّبًا به

حركة الجهاد الإسلامي، الشريك الرئيسي في الوفد المفاوض، أصدرت بدورها بيانًا واضحًا يدحض الرواية الأمريكية، مشيرة إلى أن الورقة التي قُدمت للوسطاء حظيت بـ”ترحيب فعلي واعتبارها مدخلًا جادًا للتوصل إلى اتفاق شامل ينهي العدوان”.

وقال البيان: “تصريحات المبعوث الأمريكي ويتكوف تعبّر عن موقف حكومة العدو وتُجسّد نوايا مبيتة للالتفاف على جهود الوسطاء، واستمرار العدوان.”

وأكدت الجهاد الإسلامي أنها ملتزمة بمواصلة التفاوض واستكمال جهود الوسطاء لتحقيق اتفاق يُراعي مصالح الشعب الفلسطيني ويوقف الجرائم الوحشية التي تُرتكب يوميًا بحق المدنيين في غزة.

الانقسام داخل المؤسسة الإسرائيلية

اللافت أن التحليلات الإسرائيلية تُقرّ بوجود انقسام داخل الحكومة بين من يدعم صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، ومن يرى في استمرار الحرب فرصة سياسية.

تقول تسريبات إسرائيلية إن الوزير ديرمر، وبتنسيق مع ويتكوف، يعمل على فرض أجندة سياسية صارمة على المفاوضات، بعيدًا عن توصيات الجيش أو الشاباك، الذي يُفضل إنهاء المواجهة واستعادة الأسرى دون مزيد من التصعيد.

هذا الانقسام الداخلي يُفسّر، وفق مراقبين، التناقض الحاد بين ما يصل للوسطاء من رسائل إسرائيلية إيجابية، وما يُقال لاحقًا في العلن من تهديدات ورفض.

هل تضيع الفرصة الأخيرة؟

ما يُثير القلق الآن هو أن “نافذة الحل تتقلص بسرعة”، كما قال مصدر مصري رفيع للصحافة. فالوسطاء يخشون من أن الفرصة الحقيقية للتوصل إلى اتفاق قد تُهدر بسبب التصعيد الإعلامي والتكتيكات الإسرائيلية، رغم أن الرد الفلسطيني الأخير “يستحق البناء عليه”، كما قال الوسيط القطري.

ويبدو أن المعركة التفاوضية دخلت لحظة حاسمة، حيث ما تزال المقاومة تُظهر مرونة محسوبة، في حين تتمسك إسرائيل بمنطق الإملاء والابتزاز السياسي، وهو ما قد يُطيح بجهود أشهر من الوساطات.

وما بين واقعية فلسطينية ومرونة تفاوضية واضحة تقابلها مراوغة إسرائيلية متكررة وضغوط أمريكية غير منسقة، تدخل المفاوضات لحظة دقيقة. وإن كان الوسطاء لا يزالون يأملون في إنقاذ المبادرة، فإن الثقة في نوايا تل أبيب تتآكل بسرعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى