سخرية واسعة من نية عباس إعلان قرار أحادي بتحويل السلطة إلى دولة

في تسريب مثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية، انتشرت أنباء عن نية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اتخاذ قرار أحادي بتحويل السلطة الفلسطينية إلى دولة.
ولم يصدر أي تأكيد رسمي من قبل مسؤولي السلطة حول هذه المعلومات، ما جعلها تتداول في الأوساط السياسية كأخبار مجهولة المصدر، ولكنها تثير تساؤلات كبيرة حول دوافع عباس وتوقيت هذه الخطوة.
تظهر هذه الخطة، إذا ما تمت، كيف يحاول محمود عباس العودة للأضواء بعد سنوات من العزلة السياسية والفشل في تحقيق تسوية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، في وقت يزداد فيه الشعور بالتهميش داخل الساحة الفلسطينية والإقليمية.
ويرى مراقبون أنها خطوة تشير إلى انسداد أفق التسوية الذي كان عباس قد رفعه شعارًا له طوال سنوات رئاسته، بينما تتفاقم الأزمة الفلسطينية وتتعثر المحاولات لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
محاولة للعودة للأضواء في لحظة سياسية حرجة
رغم أن نية عباس إعلان دولته لم تتضح بعد، إلا أن هذه الخطوة تكشف عن يأس واضح من الرئيس الفلسطيني وفريقه من إحداث أي اختراق حقيقي في العملية السياسية.
إذ بينما يزداد الغضب الشعبي تجاه القيادة الفلسطينية بسبب فشلها في تحقيق أي تقدم ملموس على الأرض، يبدو أن عباس يحاول “ركوب موجة” التحركات الأخيرة لبعض الدول الأوروبية التي بدأت تعترف بدولة فلسطين، لعلها تُعيد له بعض الدعم الدولي والإقليمي.
لكن حقيقة الأمر أن هذا القرار، إذا تم تنفيذه، لن يؤثر شيئًا على الواقع الفلسطيني والإسرائيلي.
فالدولة الفلسطينية، في ظل الاحتلال المستمر والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، لا تزال تمثل خطوة رمزية أكثر منها عملية.
ولا يمكن لقضية الشعب الفلسطيني أن تحل من خلال تصريحات فارغة أو خطوات أحادية الجانب لا تقابلها تغيرات حقيقية على الأرض.
انعكاس انسداد أفق التسوية
على الرغم من محاولات عباس المتكررة للظهور بمظهر الزعيم الذي يسعى لتحقيق الدولة الفلسطينية، إلا أن الواقع يشير إلى انسداد الأفق السياسي، خاصة بعد فشل كافة جهود التفاوض مع دولة الاحتلال.
لقد سبق لعباس أن رفع شعار حل الدولتين وعمل على التفاوض مع إسرائيل تحت رعاية أميركية، إلا أن كل تلك الجهود انتهت إلى لا شيء في نهاية المطاف، حيث لم تؤد إلى أي نتائج ملموسة على الأرض.
والتحركات الأخيرة لا تخرج عن كونها محاولة لتخفيف الضغوط عليه من الداخل الفلسطيني والدول الغربية، وتمنحه شرعية دولية مزعومة، لكنها لن تحل جذريًا قضية الشعب الفلسطيني.
والمسألة لا تتعلق ببعض الاعترافات الدولية التي لا يترجمها أي تغييرات في الواقع الميداني، بل بكيفية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وضمان حقوق الفلسطينيين كاملة، بدءًا من عودة اللاجئين وصولًا إلى إقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967.
دور الاعتراف بالدولة الفلسطينية في هذه المرحلة
أزمة القرار الفلسطيني تكمن في أن الاعتراف بدولة فلسطين وحده لا يعني حلاً حقيقيًا للصراع، بحسب هاني المصري، المحلل السياسي من رام الله.
ويؤكد المصري أنه ينبغي أن يرتبط الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية بوقف الاحتلال الإسرائيلي بشكل نهائي، وإعادة الحقوق إلى الشعب الفلسطيني.
فالتعاطي مع قضية فلسطين لا يجب أن يقتصر على مجرد اعتراف بالدولة، بل يجب أن يترافق مع إنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، والاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وبحسب المصري، فإن أي اعتراف بدولة فلسطينية دون التزام من المجتمع الدولي بفرض عقوبات جادة وفورية على الحكومة الإسرائيلية سيكون بمثابة محاكاة للواقع دون حل حقيقي. ويجب أن يكون الاعتراف الدولي جزءًا من عملية شاملة تتضمن الضغط على دولة الاحتلال لوقف ممارساتها العدوانية في الأراضي الفلسطينية.
الاعتراف لا يغلق القضية الفلسطينية
الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يجب أن يُقدم كحل نهائي، بل كجزء من معركة مستمرة من أجل تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني.
فالقضية الفلسطينية هي قضية شعب لا يقتصر وجوده على الضفة الغربية وقطاع غزة فحسب، بل يمتد إلى الشتات الفلسطيني في كافة أنحاء العالم. لذلك، لا ينبغي أن يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية نهاية للمطالبة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين أو انتهاء المطالبة باستقلال كامل.
,المشكلة الأساسية التي يجب معالجتها هي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. لا يمكن تصور دولة فلسطينية كاملة إلا بعد إنهاء الاحتلال بشكل كامل، بما يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
لهذا، يجب أن يكون الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية مقرونًا بتعهدات حقيقية من المجتمع الدولي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وضمان سيادة فلسطين الكاملة على أراضيها.
ضرورة التغيير الجذري
من الواضح أن عباس وفريقه في السلطة الفلسطينية عاجزون عن تحقيق أي تقدم حقيقي نحو حل قضية فلسطين، وفي ظل الانقسامات الداخلية المستمرة، تبقى القيادة الفلسطينية في حالة تهميش مستمر.
ولا يمكن الاستمرار في تقديم حلول شكلية لا تغير من الواقع الميداني شيئًا. يجب على الفلسطينيين أن يتحدوا في مواجهة الاحتلال، وأن يسعى المجتمع الدولي إلى فرض ضغوط حقيقية على إسرائيل لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وحقوق الفلسطينيين.