
اتهمت منظمة “أطباء بلا حدود” سلطات الاحتلال الإسرائيلي باستخدام سياسة “التجويع المنظم” في غزة، محذرة من أن سماح إسرائيل بدخول كميات محدودة من المساعدات لا يعكس تغييرًا حقيقيًا في سياستها، بل يهدف فقط إلى التهرب من المسؤولية الدولية ومنع توجيه اتهامات قانونية ضدها.
وفي بيان لها اليوم الأربعاء، وصفت المنظمة الكميات التي دخلت حديثًا بأنها “غطاء دعائي”، هدفه إيهام المجتمع الدولي بانتهاء الحصار، في الوقت الذي يستمر فيه التدمير الممنهج للبنية الصحية في القطاع، مشيرة إلى تضرر أو توقف نحو 20 منشأة طبية خلال أسبوع واحد فقط نتيجة الغارات الإسرائيلية.
وشددت المنظمة على ضرورة إنهاء الحصار بشكل فوري، ووقف استهداف النظام الصحي في غزة، ووصفت ما يحدث بأنه “جزء من حملة تطهير عرقي ضد السكان المدنيين”، مضيفة أن تل أبيب تسعى إلى توظيف المساعدات كأداة سياسية لتحقيق مكاسب عسكرية.
وفي السياق نفسه، حذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، من تعاظم خطر المجاعة في غزة، مؤكدًا أن الحصار الإسرائيلي المستمر يمنع وصول 116 ألف طن من الأغذية العالقة عند المعابر، ويُبقي نحو مليوني فلسطيني في حالة جوع شديد منذ أكثر من شهرين.
ومنذ 18 مارس 2025، أعادت قوات الاحتلال فرض حصار عسكري شامل على قطاع غزة، منهيةً بذلك هدنة مؤقتة استمرت شهرين. ورغم توقف القصف مؤقتًا بموجب اتفاق رعته الولايات المتحدة ومصر وقطر، لم تلتزم إسرائيل ببنود الاتفاق، وواصلت عدوانها الجوي والبري.
ورغم الدعم الأمريكي والأوروبي، تواجه تل أبيب انتقادات حقوقية متصاعدة، وسط اتهامات دولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية في القطاع، أسفرت منذ السابع من أكتوبر 2023 عن سقوط أكثر من 174 ألف شهيد وجريح، إضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود، معظمهم من النساء والأطفال.
المساعدات أداة سياسية وتضليل إعلامي
ورفض محللون وخبراء فلسطينيون الرواية الإسرائيلية عن “الاستجابة الإنسانية”، واعتبروا إدخال بعض الشاحنات مجرد محاولة لتجميل صورة الاحتلال وإيهام العالم بأن الوضع الإنساني في تحسن.
وأكد المحلل السياسي إياد القرا أن الاحتلال يرضخ للضغوط الدولية، خصوصًا الأوروبية، التي لم تعد قادرة على تجاهل هول الكارثة في غزة. كما رجح أن تكون الخطوة جزءًا من تفاهمات غير معلنة بين الولايات المتحدة وحركة حماس، تتعلق بملف المساعدات والأسرى، حيث تسعى واشنطن لإثبات قدرتها على التأثير على إسرائيل.
أما الباحث الفلسطيني علي أبو رزق فاعتبر أن ما يحدث هو “إدارة إعلامية للمجاعة”، موضحًا أن عدد الشاحنات التي دخلت لم يتجاوز 30 في اليوم، أي ما نسبته 5% فقط من عدد الشاحنات التي دخلت خلال الهدنة السابقة.
وأشار إلى أن الشاحنات تفتقر إلى المواد الغذائية الطازجة والبروتين الحيواني، وتقتصر على الطحين والمعلبات، بما لا يغطي الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية، محذرًا من أن هذه السياسة تُبقي متوسط السعرات الحرارية اليومية عند مستويات خطيرة تتراوح بين 1000 إلى 1500 سعرة فقط.
ولفت إلى المفارقة المروعة بأن الاحتلال قصف مستودع أدوية في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس قبل ساعات فقط من السماح بدخول شاحنات محملة بالأدوية، في مشهد يعكس نفاقًا واضحًا في التعامل مع الأزمة.
المساعدات إلى غزة وعسكرتها
من جهته، وصف رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، صلاح عبد العاطي، إدخال الشاحنات المحدودة بأنه “استهتار صارخ بأرواح المدنيين واستغلال للمساعدات لأغراض سياسية وأمنية”، مؤكدًا أن ما يتم الترويج له كـ”إنجاز إنساني” لا يعدو كونه تغطية على جرائم الإبادة الجماعية المستمرة.
وحذر عبد العاطي من مشروع مشترك إسرائيلي-أمريكي يهدف إلى عسكرة المساعدات واستبدال الأونروا بمنظمات أمنية تعمل على إدارة الإغاثة وفق أجندات سياسية، ضمن خطة تهدف إلى تفريغ القطاع ديموغرافيًا.
ودعا المجتمع الدولي إلى رفض تسييس المساعدات والضغط لإدخالها عبر ممرات إنسانية آمنة ودائمة، بعيدًا عن هيمنة الاحتلال، ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين على جرائمهم كمجرمي حرب وفق اتفاقيات جنيف.
كما طالب عبد العاطي وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني بتكثيف الجهود لكشف التلاعب بالمساعدات، ونقل الصورة الحقيقية لمأساة سكان غزة، بعيدًا عن الرواية الرسمية الإسرائيلية.